سأبدأ مقالي بفرضية متخيلة وقد تكون موجودة، وأقول إن «زيد» يعمل موظفاً في فرع وزارة الشؤون البلدية –مثلاً، ونظراً لتمكنه من العلوم الشرعية والفقهية، وموهبته الخطابية، وفّقه الله وأصبح خطيباً في أحد «الجوامع» الكبرى. «زيد» هذا، هداه الله تحمّس ذات جمعة وخطب عن سوء نظافة الحي الذي يقع فيه الجامع، وقال إن هذا نتيجة «فساد مشترك» بين البلدية وشركة النظافة، مع إهمال سكان الحي. خطبة «الشيخ زيد» أغضبت رئيس البلدية الذي كان ضمن المصلين، وأغضبت بعض سكان الحي! فقرروا جميعاً رفع شكوى ضد «الشيخ زيد»، فأين المفروض يشتكونه؟ عند وزارة الشؤون الإسلامية –طبعاً– بصفتها جهته الوظيفية كإمام وخطيب ومرجعيته في هذا الشأن، أليس كذلك؟ الذي حدث أن رئيس البلدية باعتبار «زيد» من موظفي بلديته، شكّل لجنة للتحقيق مع «الشيخ زيد» الذي رفض، فما كان من البلدية ورئيسها إلّا أن أصدروا بياناً ووزعوه في الإنترنت، أن «زيد» هذا تحدث عن فساد البلدية في مجال سوء النظافة لأنه يريد من البلدية أن توظف ابنه مراقباً في الحي نفسه، بينما الحقيقة أن «زيد» لم يقل في خطبته إلّا ما يراه الناس كلهم من سوء حال نظافة الحي الذي يشي بأن هناك فساداً مستتراً بين البلدية وبين شركة النظافة، لكن رئيس البلدية أراد استخدام سلطته الإدارية لإرهاب «زيد» النظيف الصادق. ما قلته حتى الآن هو مجرد ضرب مثال يمكن القياس عليه، لأنني أريد أن أقول إن هذه القصة أعلاه، حصلت طبق الأصل –مع تغيير الأسماء فقط– لزميلنا في «الشرق» علي الجريبي «صحفي متعاون» من جازان، ومن ألمع الصحفيين الميدانيين هناك، وهو معلم في إحدى مدارس جازان، ومتعاون مع الصحيفة بعد الدوام الرسمي في المدرسة، ونشر خبراً عن قضية فساد في إدارة تعليم جازان، وفوراً قام مدير التعليم هناك بتشكيل لجنة للتحقيق معه، فكلمني الزميل، قلت له: لا تحضر لأن المرجعية في هذه الحال صحيفة «الشرق» ووزارة الثقافة والإعلام، فالنظام واضح، ولا أظن مدير التعليم في جازان لا يعرفه، وعندما رفض «علي الجريبي» الحضور للتحقيق وضعت إدارة تعليم جازان على موقعها الرسمي في الإنترنت بياناً تشهيرياً بالزميل لتشويه سمعته. سأفترض أن «الجريبي» يريد توظيف زوجته، وسأفترض –أيضاً– أنه يستغل الصحيفة لخدمة مصالحه الضيقة، وتصفية الحسابات، ألا يستطيع مدير وإدارة تعليم جازان أن يخاطبوا صحيفة «الشرق» بما لديهم من وثائق تكذّب «الخبر» وتثبت سوء «نية المحرر»، وإذا لم تكن لديهم ثقة في الصحيفة، فلماذا لم يتجهوا إلى وزارة الإعلام؟ هل هذا جهل بالأنظمة؟ أم لأن الخبر صحيح أرادوا إرهاب المحرر، وتخويف وترويع بقية الصحفيين «المتعاونين» في المنطقة الذين معظمهم من المعلمين؟ أكتب هنا ليس انتظاراً لتعقيب من مدير تعليم جازان، ولكن ليطلع أمير منطقة جازان الأمير محمد بن ناصر، على ما يمارسه بعض المسؤولين في المنطقة لحجب الحقائق، وقطع الألسنة وكسر الأقلام، وليطلع وزير التربية والتعليم الأمير فيصل بن عبدالله، على مستوى عقليات بعض مديري التعليم في المناطق، لأن الأمير فيصل يعلم –قطعاً– أن عدداً كبيراً جداً من المعلمين والمعلمات في مختلف المناطق يعملون متعاونين مع الصحف وبعض وسائل الإعلام الأخرى خارج أوقات دوامهم الرسمية، فماذا يفعلون مع عقليات مثل هذه العقلية في جازان؟ إنني أعرف محررنا «المتعاون» علي الجريبي وأعرف مهنيته، واستقامة أخلاقه، ولم ألحظ حتى الآن أنه يستغل الصحيفة لتصفية حسابات أو أغراض خاصة، ولو لاحظت عليه أو على غيره فلن يستمر لحظة واحدة، وطالما هو بهذا المستوى من المهنية والأخلاق، فإنني آمل من أمير جازان وأمير التربية والتعليم إنصافه بالشرع والنظام والقانون، وجعل قضيته هذه عِبرة حقيقية تردع الصحفيين «المتعاونين» كلهم في جازان والمملكة، أو تكون عِبرة حقيقية لمدير التربية والتعليم في جازان وأمثاله من المسؤولين من أصحاب هذه العقلية «التسلطية» في جميع مناطق المملكة، والله الموفّق.