بعد أيام قليلة ينتهي عام 2011، الذي كان ساخناً في أحداثه، سريعاً في تطوراته وصاخباً في تحولاته. هذا العام الذي حمل معه الألم والأمل بولادة حقبة جديدة في الشرق الأوسط يبدأ التأريخ لها منه، سينتهي دون أن تنتهي رحلة الثورات العربية الباحثة عن الحرية وبناء الذات والأوطان. وفي سياق المخاض الذي يعيشه العالم العربي، من المنتظر أن تشهد المنطقة عدداً من التحديات الرئيسية؛ فمن المتوقع أن تزداد العدوانية الإسرائيلية في ظل حالة العزلة التي تعانيها، والتوتر الذي ينجم عن شعور تل أبيب بعدم الأمان، وهو ما سيدفعها للجوء إلى خيار القوة العسكرية، الذي تراه الأكثر نجاعة في ضمان أمنها. ومكمن الخطر هنا هو أن تنجرف الأنظمة الوليدة غير المستقرة ولا المستعدة إلى حرب غير متكافئة، تكرّس هزيمة على غرار الهزائم العربية السابقة، وتعيد إدخالنا في دوامة الأنظمة المنصرمة، وهو ما يجب تفاديه عبر تحوّل الدول العربية هذه إلى لعبة “الرقم الصعب” في مواجهتها، من خلال التركيز على البناء المتكامل، وتطوير القوة الشاملة للدولة فرداً وشعباً ونظاماً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً. وأمام ما يفرضه واقع الثورات من تهديد لنفوذ إيران الإقليمي، ولأنموذجها السياسي، سنشهد رصّاً لصفوف السياسة الطائفية في المنطقة (إيران، العراق، سورية، لبنان) بشكل متزايد. ومن المتوقع أن يلجأ النظام الإيراني إلى التسريع من وتيرة البرنامج النووي كورقة أخيرة لحماية نفسه، خاصة إذا ما سقط النظام السوري، هذا إذا لم يفاجئه مدّ الثورات خلال هذا العام، في ظل الاحتقان الداخلي والتنازع على السلطة، والانقسامات الحادّة بين التيارات المختلفة على وقع الاستعداد للانتخابات الرئاسية عام 2013. ولاشك أن 2012 سيكون عاماً مهماً في تحديد مصير العراق، الذي شهد احتلالين متوازيين. ومع خروج الأمريكي، يعمل الإيراني على ملء الفراغ دون أن يجد من يقف في وجهه؛ وهو ما شجعه على بدء مرحلة الطائفية السياسية، المتمثلة في “اجتثاث” السنّة. وتبدو حكومة المالكي، التي جاءت باتفاق إيراني- أمريكي، جزءاً من المحور الذي تقوده إيران مؤخراً، الذي برز بشكل واضح في دعم النظام العلوي في سورية. وما لم يتم وضع حدّ لهذه الحكومة، وإعادة العراق عربياً، فإن عراقاً إيرانياً سيكون من أكبر المخاطر التي ستشهدها المنطقة مستقبلاً. في العام القادم -أيضاً- سيصبح مآل النظام السوري أكثر وضوحاً مع استمرار الثورة الشعبية؛ حيث من المنتظر أن تؤدي نتائج المواجهة بين الشعب والنظام إلى انعكاسات استراتيجية على الخريطة الجيوسياسية للمنطقة برمتها حال سقوط هذا النظام أو نجاته! ولا يفوتنا أن نقول إن العلاقة بين الإسلاميين والليبراليين والعلمانيين العرب ستبقى مثار جدل داخلي، إلى حين إرساء معادلة تحكم إدارة الخلافات بينهم على أسس واقعية، لعل التجربة التونسية الوليدة أقرب ما يكون إلى تجسيدها، في وقت ستحاول فيه أنظمة أخرى التكيف مع الواقع الجديد، دون أن ننسى انعكاسات الاستحقاق القادم من خلف البحار، والتغيير الممكن في إدارة البيت الأبيض، التي قد تُرخي ظلالها على كل الأحداث السابقة الذكر.