قائد المؤسسة الإداري الفذ زميلنا خالد بوعلي جاءني في أحد أيام الأسبوع قبل الماضي منتشياً متهلل الوجه على غير عادته، إذ هو دائماً مكفهر حتى لا نطلب منه ما يستدعي توقيع «شيك»، فقلت خير «اللهم اجعله خيراً»، فروى تجربة رائعة مر بها ذلك اليوم في فرع الأحوال المدنية في سوق الشاطئ بالدمام، وقال: حجزت موعداً محدداً بالساعة والدقيقة عبر الإنترنت، وذهبت بناء عليه فوجدت مكاناً مهيّأً لاستقبال المراجعين فيه قدر من الفخامة، فاسترحت وعندما حان موعدي كنت أمام الموظف « المبتسم « الذي رحب بي وخلال خمس دقائق كنت مغادراً بعد إنجاز معاملتي في غمضة عين وحصلت على موعد محدد بدقة بعد أيام لتسلم بطاقة الهوية الجديدة، إنني – يضيف خالد – قادم إليك الآن وأنا في غاية السرور لأنني لم أكن أظنني أنجز بهذه السرعة، وأهم من السرعة الأريحية ورقي الموظفين هناك. قلت: جميل ورائع وعندي ثلاث أمنيات يا خالد. أولها : أن تكون كل فروع الأحوال المدنية بهذا المستوى الذي رأيته، وأظن أن معظمها كذلك لأن وزارة الداخلية عموماً بكافة قطاعاتها، أفضل جهة طبقت الحكومة الإلكترونية، ودرَّبت موظفيها على التقنية والابتسام ، فأمّا التقنية فقد نجحوا فيها نجاحاً باهراً، وأمّا الابتسام فبالتدريج، ونرجو أن يعم الوجوه قريباً خاصة العاملين في الجوازات في المنافذ، ورجال المرور والشرطة في الميدان والمكاتب. الأمنية الثانية: أن تظل يا أخ خالد مبتسماً على طول، فالاكفهرار لم ولن يوقف طلباتنا الضرورية، وأنت متفهم، لكن إذا قدمتها ومعها ابتسامة، أفضل من أن ترهبنا بهذا العبوس لتقطع آمالنا في تفهمك، ثم ليتك تنقل ابتسام الأحوال وسرعة إنجازها إلى كل موظفي المؤسسة، وهنا ضحك خالد وقال يكفي، قلت: لا الثالثة مهمة وهي: أتمنى أن تتصل بمعالي وزير العدل الدكتور العيسى وتبلغه بتجربتك. فقال: وما علاقة وزير العدل؟ قلت لعله ينقل التجربة برمتها إلى المحاكم، حيث دخلت التقنية هناك، لكن فيما يبدو – ومن تجربة شخصية – فإن الموظفين وكتاب العدل لم يتقنوه جيداً، ويبدو أنهم لم يتدربوا عليه جيداً، وبعضهم « يدوخ السبع دوخات « في وكالة أو صك إفراغ ويعطل الناس . أمّا « الابتسام « فبينهم وبينه قطيعة تاريخية، بل إن بعضهم – نسأل الله الهداية- لا يرد السلام، والمراجعون يتوددون لهم ويتذللون رغبة في إنجاز معاملاتهم، ورهبة من غضبهم، أمّا الأماكن المهيّأة لاستقبال المراجعين فلا يمكن وصفها، تصور أن مبنى كتابة عدل الثانية الخاصة بالوكالات ونحوها في جدة يتكون من ستة أدوار، والمصعد عليه لوحة تقول» المصعد لا يعمل بأمر الدفاع المدني « . وزير العدل يبذل جهداً كبيراً، وهو شخصياً على مستوى رفيع من الأخلاق والنبل والتواضع ووجهه بشوش دائماً، فليت سماءه تمطر لتبلل ثياب القضاة وكُتِّاب الضبط ليبتسموا في وجوه الناس، ابتسامة لوجه الله فقط .