لا مشكلة –مطلقاً– مع «الرأي»، من حق كل إنسان أن يقول رأيه، ويقدم وجهة نظره في كل أمر يعنّ له، وليس من حق أي أحد أن يمنع أو يصادر أو يسخر من رأي الآخرين ووجهات نظرهم، ولكن كلنا نعلم، ونتفق أنه لا توجد حرية مطلقة في الدنيا كلها، هناك حدود تحددها الشرائع السماوية والقيم الإنسانية، والأعراف الاجتماعية، والأخلاق، والنظم والقوانين التي تضعها الدول والحكومات كل منها حسب دستورها ومجتمعها. المشكلة التي أصادفها وتصادفونها –حتماً– أحياناً كثيرة تتلخص في عدم فهم أو تفهّم كثيرين لحدود حرية الرأي التي ذكرتها هنا، والتي تعرفونها جميعاً، وهذه المشكلة تبدو أو ستكون بسيطة مع ما هو أدهى منها، وذاك هو المتمثل في من ينطلق من معلومات خاطئة، غير دقيقة، غير صحيحة، شائعات، أقوال عابرة، سواليف مجالس، ثم يبني عليها رأيه، فتصبح تلك المعلومات الخطأ من المسلمات عنده، وربما عند من يتلقى كلامه أو مقاله. بعض هؤلاء أو قل أكثرهم مع الأسف حين تتحدث معهم في شأن تلك المعلومات، يردون عليك بأنك ضد حرية الرأي، وأنك لا تعيش في زمن «تويتر» والفضاءات المفتوحة، والاتصالات المتدفقة! حسناً.. هل حرية الرأي والفضاءات والاتصالات تعني أن أورد معلومات مغلوطة، أو غير دقيقة، أو شائعات، أو أختلق من عندي معلومات، وأبني عليها رأياً وموقفاً، ثم أنطلق لترويجه بين الناس مستغلاً الفضاءات والاتصالات والنت وغيرها، بحجة أنني حر في رأيي؟! أنت حر، وكلنا أحرار، لكن دقة المعلومات مطلب أساسي للرأي مهما كان هذا الرأي ناضجاً أو ساذجاً، عاقلاً رشيداً، أو جاهلاً لا قيمة له، فمن حقك أن تقوله وتعلنه في حدود الأدب والنظام، أمّا المعلومات فلا نقاش فيها ولا جدل ولا اجتهاد إلّا في الحصول عليها من مصادرها الموثقة. وأخيراً، هناك آخرون ممن يُعدّون أبواقاً لغيرهم، أي أنهم أصحاب رأي وثقافة «مجلسية» يسمعونها من بعض أصحاب الرأي حين يرتادون مجالسهم فيتبنونها، وتصبح كأنها من إنتاجهم، بينما لو سألت بعضهم ماذا يعني؟ لتلعثم وغمّ عليه، لكن لاشك أن هذا البعض يلقى تشجيعاً وارتياحاً ممن يروّجون لهم. وهذا من حقهم، لأنهم يجدون عقولاً فارغة فيملأونها بما يشاؤون، ويجدون ألسنة منطلقة فيستغلون انفلاتها وسذاجة أصحابها، ولكن لا بأس من أن نقول بين الحين والآخر لهؤلاء «الأدوات الساذجة»: نحن نعرفكم.