هل هناك تشابه بين لغة ابن الجوزي في كتابه (صيد الخاطر) ولغة الشيخ عائض في كتابه (لا تحزن)؟ وإذا كان هناك تشابه فهل يبلغ درجةً تأثير لغة ابن الجوزي على لغة الشيخ القرني؟ ليس هناك خلاف على سعة أفق الشيخ عائض ولا على عمق حسه اللغوي ولا نباهة عقله وإيجابية إرادته، وأنا لستُ حاكمًا على إرادات الناس، إنما الذي يستقرئ أحاديث الشيخ القرني في لقاءاته وأيضًا كتاباته بوصفها دلائل شاهدة على حقائق وطباع غائبة، سيلحظ -ربما- ما أظنه فيه من استقلال موقفه في فهم الواقع وتفسيره. وأنا كنت استمعت قبل فترة طويلة إلى بعض أحاديث الشيخ القرني ومواعظه، وكنتُ أشعر بشيءٍ من الانقباض، ليس لأني لا أستطيع سمعًا، إنما لأنه كان يصدر في مواعظه كما كنتُ أفهم عن تطلعٍ فائق إلى المثال الأخلاقي أو المثال الديني الأعلى، وهذا مناقض لفكرة فهم الواقع ومراعاته التي تغلب على عقليته الآن -كما أتصور.إنني أريد أن أقول إن الوعظ أو التوجيه لا ينبغي أن يتوجه بفهمٍ نظريٍ بحت لاقتضاء الاعتقاد أو اقتضاءات الأخلاق دون أن نأخذ في اعتبارنا المكان الذي يتوجه إليه الوعظ. حين نفهم واقع الناس حتى من الناحية النفسية نكون قد أمسكنا بأيدينا -في ظني- نصف اشتراطات الحكمة والحسن في الموعظة. ليست الموعظة قرعًا ولا توبيخًا ولا تأثيمًا، هذا منافٍ لإرادة الرحمة. لماذا لا يتذكر الذين يعظون الناس قوله تعالى: «فذكّر إنما أنت مذكر* لستَ عليهم بمسيطر»؟ كل الوعظ ينطوي على هذه الفكرة، أن يحول الناس من الغفلة إلى الذكر، ومن الجهل إلى العلم. هذا ضد أن يكون المراد التأثيم أو الإيلام أو الانتقاص أو تعزيز الإحساس بالمسافة بين الواعظ والموعوظ.لقد كان الشيخ عائض في بداياته محتدم اللهجة كأنه الموج الهادر، كان في حسباني يشعر بالمسؤولية عما يراه منكرًا أو سوءًا أو تقصيرًا، وكان يطمح أن يرى مثالًا دينيًا أعلى في كل ما حوله، وهو ما يفسر حماسه المحتدم سابقًا الذي استبدله بالتبصر واللغة المتسامحة القريبة والإعذار وفهم سطوة الواقع على أحوال الناس. إنه هو نفسه أدرك ما ينفر الناس من أساليب الاستعلاء في التوجيه حين رآها في غيره فأدرك كم هي مخالفة للأَوْلى فضلًا عن أنها يمكن أن تكون هي نفسها نوعًا من الإثم. نعم، حين نخاطب الناس ونحن نشعر أننا الفرقة الناجية وأنهم الهلكى فإنا نكون ونحن لا نشعر في حكم المتألين. أليس هذا إثمًا غير منظور؟ الحقيقة أنني لم أجب عن السؤال في بداية المقال. هناك تشابه -نعم- بين لغة ابن الجوزي ولغة القرني، كنتُ أشعر برائحة لغة ابن الجوزي في بعض لغة الشيخ القرني، يكثر هذا في عباراته حين تكون تأملًا أو حديثًا في فقه النفس، هذا من سطوة العقل على العقل، ومع هذا فليس عقل الشيخ عائض بالعقل الذي يمكن أن يغرق في عقل غيره.