هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    باص الحرفي يحط في جازان ويشعل ليالي الشتاء    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    الكشافة تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية المراحل    الذهب يتجه نحو أفضل أسبوع في عام مع تصاعد الصراع الروسي الأوكراني    خطيب المسجد الحرام: ما نجده في وسائل التواصل الاجتماعي مِمَّا يُفسد العلاقات ويقطع حِبَال الوُدِّ    المنتخب السعودي من دون لاعبو الهلال في بطولة الكونكاكاف    الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    لبنان يغرق في «الحفرة».. والدمار بمليارات الدولارات    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    إطلالة على الزمن القديم    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    ترمب يستعيد المفهوم الدبلوماسي القديم «السلام من خلال القوة»    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    فعل لا رد فعل    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    ندوة "حماية حقوق الطفل" تحت رعاية أمير الجوف    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    «المسيار» والوجبات السريعة    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موافق الرويلي: المنهج الخفي يعلمه المجتمع وليس المدرسة!
نشر في الحياة يوم 30 - 05 - 2012

شهدت حياة موافق الرويلي أكثر من ميلاد.. من منطقة الجوف قدم إلى الرياض في فترة السبعينات الميلادية.. بحثاً عن حياة ينشدها.. عمل في النهار وتعلم في الليل.. وأثبت أن خريجي المدارس الليلية قادرون على صناعة النور.. تخرج من الجامعة وابتعث للدراسة.. وهناك جاءت مرحلة ميلاده الثالثة، وعرف من خلالها ماذا يريد وماذا يجب أن يقدم؟ يدين كثيراً لتخصصه المناهج أنه علّمه كيف يتفاعل مع الحياة ومتغيراتها المختلفة.. له نتاج علمي داخلي وخارجي، خرج من الجامعة ليبدأ رحلة جديدة مع القطاع الخاص ينشد من خلاله البحث عن الجديد والبعد عن القوالب التي قد يمل منها الإنسان في مشواره..
دخل مجلس الشورى من بابه الكبير ليبدأ فصلاً جديداً في حياته، ويكرس كل خبراته وعلمه في صياغة ومراجعة قرارات تهم المجتمع ومؤسساته..
لا يذكر اسم الدكتور موافق إلا وتلوح قصص الشهادات الوهمية وحملته الإلكترونية عليها، ومحاولة سن نظام من المحتمل أن يرى النور قريباً لإيقاف هذا العبث الأكاديمي ومنع المزيفين من الوصول لشيء.. فإلى تفاصيل الحوار.
موافق أبعد ما تكون أنت اليوم قرباً من اسمك... من سمّاك بهذا الاسم؟
أولاً هذا غير صحيح، المشكلة أن الآخرين دائماً يتوقعون أن موقفي أو ردي يجب أن يكون متوافقاً مع اسمي، وعندما أعطي رأياً أو موقفاً مخالفاً لا يرغبه المتلقي أو لا يتوقعه أو لا يرضيه، يرد: «اللي سماك موافق غلطان». وردي عليهم: «لا حول ولا قوة، رحم الله والدي الذي سماني بهذا الاسم الجميل».
ماذا صبغت الجوف بداخلك؟
الجوف... أنت تحاول فتح الجروح، خفف علي ما زلنا في بداية الحوار. يا أخي الكريم، الجوف تعني لي ثلاثية المكان والزمان والإنسان، وكل منها يعيش في حياتي ومخيلتي على شكل ثنائيات متضادة ومتداخلة بشكل لا أستطيع فرزه أو فصله عن بعضه. حاولت أن أمارس عملية «تفكيك» علاقتي بالجوف حتى أفهم أثرها فيّ وعلاقتي بها، فلم أستطع، وتوقفت ولن أحاول مستقبلا.
الهجرة للرياض
جئتَ الرياض صغيراً.. كيف استقبلت مبانيها وشوارعها؟
كان ذلك عام 1390، لم أشعر كثيراً بالغربة، ربما يعود ذلك لعدم وجود تباين كبير بين «حواضر» الشمال والرياض في ذلك الوقت، إضافة إلى أن هناك «شللاً» شمالية كبيرة هاجرت باكراً للعمل والدراسة، كنت «عضواً» بشكل أو بآخر في غالبها من أول يوم لي بمدينة الرياض، لهذا كله لا أتذكر بأنني شعرت يوماً بالغربة أو الاغتراب.
وربما ِالشيء الذي ما زال عالقاً في خاطري من ذكريات تلك الأيام، هو معاناة السكن نتيجة لتوجس سكان الرياض من «العزابي»، على رغم كثرة إعداد «العزابية»! وأظن أن هذا الأمر ما زال أحد هموم العزاب بمدينة الرياض.
هل تحتفي المدن الكبيرة بأبناء الأطراف كما يجب؟
في واقع الأمر مدننا كبيرها وصغيرها ما هي إلا مدن مهاجرين، فالهجرة إليها من الأطراف جعلت منها مدن «مهاجرين» إذا صح التعبير، فلا أعرف مدينة من مدننا تخرج عن هذا الوصف، فنموها وتضخمها وثقافتها والحياة فيها لها علاقة بأعداد المهاجرين بمن تسميهم «أبناء الأطراف» الذين جرتهم لها عوامل الجذب المتمثل في العمل والوظائف، ودفعتهم لها عوامل الطرد من الأطراف، ولم يتوقف هذا الزحف أو النزوح لأن تلك «الأطراف» لم تنل حظها من التنمية التي تجعلها تحتفظ بأبنائها.
دلفت مجلس الشورى من بنك الرياض بمنصب فاعل، وقبلها كنت في منصب إداري شرفي في مؤسسة التأمينات الاجتماعية.. أيهما منحك الكفاية المادية الأكبر ففتحت عينيك صوب المخبوء من أحوال المجتمع؟
يعود تشكل وعيي الاجتماعي لمرحلة باكرة في حياتي، وربما كان للأوضاع السياسية في المنطقة العربية والعالمية في الستينات والسبعينات أثراً كبيراً في تشكيل وعيي السياسي والاجتماعي مثل الكثير من أبناء جيلي.
وهذا بدوره جعلني أفهم «الواقع» العالمي والعربي والمحلي بطريقتي الخاصة. ولعل ما شحذ وعيي بشكل أوسع هو تجربة الابتعاث إلى الولايات المتحدة الأميركية في أوائل الثمانينات الميلادية، إذ كانت التجربة مثرية بكل المقاييس.
أما ما أثر ذلك في وعيي بشكل منظم فيعود لدراستي للمناهج التي قادتني للتعمق في دراسة الأسس الفلسفية والتاريخية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تشكل أساساً للمنهج، وهذه كلها لها «مذاهب» ومشارب مختلفة جعلتني أنظر إلى الأمور من خلال مجموعة «بنى» وليس بنية واحدة للقضايا الاجتماعية والمواقف منها.
ولا يمكن نسيان تجربتي في التدريس بجامعة الملك سعود، التي لها أيضاً دور في حياتي وتشكيل وعيي الفكري والعملي.
أما تجربتي البنكية فقد كانت «تقنية» لدرجة كبيرة، إذ يتمحور عملي حول التدريب والتعيينات، أما مجلس الشورى فله مذاقه الخاص وقالبه المختلف، فما يحدث تحت القبة وفي دهاليز المجلس من أطروحات ومواقف أثراني كثيراً، وفتح عيوني على أمور وقضايا ومواقف لم أكن أنظر إليها بالمنظار نفسه من قبل.
حين تكون «عضو مجلس شورى».. هل هو توقيع وجود بلا حضور فعلي؟
مجلس الشورى كما هو معروف مجلس تشريعي ورقابي، فالجانب التشريعي يتعلق بسن ومراجعة التشريعات والأنظمة، والجانب الرقابي يتعلق بمراقبة أداء الأجهزة الحكومية، وجميع ما يتعلق بهذه الأعمال يقوم به الأعضاء من خلال اللجان المتخصصة واللجان الخاصة والجلسات العامة
ومن هنا فحضور الأعضاء حضور فعلي من خلال إنجاز العمل باللجان المتخصصة واللجان الخاصة، والمشاركة بمناقشات الجلسة العامة والتصويت على التوصيات والقرارت.
لماذا لم يلحظ تطوراً واضحاً على نظم التعليم العام في الدول الخليجية على رغم توافر الإمكانات المادية ولاحقاً البشرية؟
كثيراً من النقد يوجه إلى تعليمنا في دول الخليج.
ولكن من المعروف أن النقد عملية بسيطة، خصوصاً إصدار الأحكام من دون الوقوف خارج أطر النقد المعلب والنظر إلى الحقائق.
قد لا ترضي مخرجات تعليمنا طموحاتنا وتوقعاتنا، لكن أعتقد أن التعليم في دول الخليج قطع شوطاً كبيراً، كماً ونوعاً، خلال عمره القصير إذا ما قورن بالدول التي سبقتنا بالتعليم الرسمي المنظم.
تحديات التعليم
التحديات الجديدة التي تواجهها المجتمعات. هل يستطيع التعليم منح الآليات المناسبة للتعامل معها؟
ربما يستطيع تعليمنا التعامل معها بكفاءة عندما يبتعد - ولو قليلاً - عن الطرق التقليدية في عمليات التدريس، التي تعتمد على التلقين والتحفيظ والاسترجاع، ونحى منحى أكثر فاعلية في تنمية العمليات الإدراكية وتبني المناهج وطرق التدريس التي تشحذ النمو الإدراكي وتعمقه عند المتعلمين.
القيم ذات الصلة بثقافة بحقوق الإنسان ما مدى حرص مناهجنا على تضمينها بين دفتيها؟
مناهجنا مشحونة بالقيم الإسلامية والعربية المثالية الراقية، لكن استيعاب هذه القيم وجعلها جزءاً من الحياة الخاصة والعامة لسلوك المتعلم والمعلم شيء آخر.
هناك نوع من التناقض في بعض البلدان العربية بين ما يدرس من قيم ومبادئ، وبين ما يلاحظ في محيط المدرسة من تجاوز لتلك القيم أو أحياناً انتهاكها.. كيف نحلُّ هذا الإشكال؟
بالنسبة إليّ الأمر واضح، تعد المدرسة بيئة اجتماعية تتأثر بما يحدث في المجتمع، وما يحدث فيها أو في محيطاتها، ما هو إلا انعكاسات للواقع الاجتماعي المحيط بها.
وفي مجالنا نسمي هذا «المنهج الخفي»، وهي القيم والأخلاقيات التي يتعلمها المتعلم من المجتمع ولا يقرها المنهج المكتوب أو المنظم.
والحل بالنسبة إليّ هو ألا نلوم المدرسة والمنهج بل لا بد من النظر إلى خارج المدرسة ومعالجتها معالجة اجتماعية.
فمثلاً إذا كان العنف يحدث بالمدراس أو في محيطها، فلا شك أن هذا انعكاس للعنف في المجتمع.
ومن هنا علينا معالجة العنف بالمجتمع أولاً، وإذا اختفى أو خفتت حدته بالمجتمع، فمن دون شك أنه سيضمحل ويختفي من المدرسة.
الانتقاد الغربي للمناهج الدراسية هل هو استعمار جديد؟
لم أقرأ نقداً غربياً لمناهجنا الدراسية إلا بعد أحداث ال11 من أيلول (سبتمبر)، وبداية ما يسمى الحرب على الإرهاب، إذ ظهرت بعض الأطروحات والمطالبات الغربية التي تتهم مناهج التعليم في البلاد العربية في تنمية روح كره الآخر واحتقاره، وطالبت بتغييرات جذرية فيها تجعلها أكثر قبولاً للآخر وأقل حدة في طرحها.
وربما حصل في عالمنا العربي بعض الاستجابة الحذرة، لكن هل كانت الاستجابة نتيجة مباشرة لأطروحات غربية أو نتيجة وعي عند السياسيين والتربويين وصنّاع المناهج على قبول التغيير نتيجة لقناعتهم؟ هذا ربما يكون سراً لا أعرفه.
بوصفة سريعة، ما هي معادلة التقدم والتفوق للتعليم الجامعي؟
يصعب علي إصدار وصفة معينة تمثل في «الدواء الشافي». لكن لعل سر النجاح في التعليم العالي في وضوح الهدف.
فإذا كانت الجامعة بحثية فلا بد أن تسيطر عقلية الباحث على جميع رؤوس أضلاع مثلث التعليم الجامعي، الأستاذ والطالب والمؤسسة التعليمية. أما إذا كانت جامعة تعليمية فلا بد أن تكون المهارات والاتجاهات عصب ما يعلم ويتعلم فيها.
لا يقين في صحة دخول بعض جامعاتنا في التصنيفات العالمية.. لماذا؟
فضلاً أبعدني عن ذلك، لا أريد الخوض بهذه القضية، ما دار في الشهور الأخيرة من حوارات ساخنة، التي كان من بين أعلامها أصحابي الدكتور محمد القنيبط والدكتور حمزة المزيني والدكتور علي القرني وغيرهم، يكفي عن هذه القضية.
الشهادات الوهمية
»الشهادات الوهمية» قضية حاضرة في أجندتك اليوم، متى وجدت نفسك منشغلاً بها؟
يعود تاريخ هذه القضية إلى عملي في بنك الرياض بوصفي مديراً للتدريب والتعيينات، إذ حدث أن وصلتني شهادات عدة «غريبة» بعضها من موظفين يريدون تضمينها في سيرهم الذاتية، وبعضها جاءت ضمن أوراق متقدمين للعمل.
وكان الإجراء بسيطاً يقتصر على رفض تلك الشهادات ونصح أصحابها بمعادلتها أولاً.
ولم تشكل لي هذه الظاهرة قلقاً إلا عندما أصبحت عضواً في مجلس الشورى.
فبعد بداية الدورة البرلمانية بقليل حدث أن نوقش تقرير وزارة التعليم العالي بمجلس الشورى وأثيرت قضية الشهادات الوهمية، وقد كان لأطروحات الزملاء وحماستهم وقعاً قوياً عندي، إذ أثار عندي «فضول» الباحث. إذ أيقنت أن مواقفهم وحدة طرحم لم تصدر من فراغ.
بعد الجلسة، عدت إلى مكتبي وكان السيد «غوغل» جاهزاً لأبحث عن كتاب له قصة طريفة.
الكتاب لارلوند ادور وعنوانه «مرض الشهادة»، كان هذا الكتاب من ضمن قائمة القراءة لأحد المقررات الدراسية التي درستها في مرحلة الدكتوراه. وفي اليوم الأول من المقرر ناداني أستاذ المادة بعد المحاضرة، وكنت الأجنبي الوحيد في القاعة، وأعطاني نسخة من الكتاب، وقال اقرأ هذا الكتاب.
استغربت جداً! وفعلاً قرأته، وعندما أعدته بعد أسبوعين للأستاذ قال لي احتفظ به. فرديت قائلاً: ليس عندنا مشكلة مرض شهادات، فكما تعرف نحن نعاني من مشكلة أمية وقلة في توافر المؤهلات.
فرد قائلاً: احتفظ به، أنا متأكد أنك ستعيد قراءته يوماً ما! ونظراً إلى أنني كالعادة «أضيع» كتبي، فقدت ذلك الكتاب. وكنت محظوظاً حيث وجد نسخة إلكترونية عندما احتجتها.
بدأت بقراءة الكتاب بوصفه مدخلاً تاريخياً. بعد ذلك، دخلت عالم الشهادات الوهمية من بوابة السيد «غوغل» أيضاً. إذ قدم لي كم هائل من المعلومات عن «الشهادات الوهمية» باللغتين العربية والإنكليزية.
كان كم المعلومات مرعباً ومثيراً ومقلقاً جداً في آن واحد، وبدأت الدخول في العمق، وكلما تعمقت زادت شهيتي للغوص إلى الأعماق والتشعب.
ولعل ما أبهرني وأذهلني هو حقيقة تفشي الشهادات الوهمية في السعودية والعالم العربي. وهذا ما ولّد عندي القناعة بأنني قد أستطيع فعل شيء ما يضع حداً لما وصفه الدكتور رشود الخريف «تسونامي» الشهادات الوهمية، الذي يجتاح مجتمعنا بشكل لا يمكن قبوله.
بدأت أفكر، هل هناك نظام يساعد على وقف هذا السيل الجارف؟ فاطلعت على نظام التزوير في المملكة ووجدته لا يشمل الشهادات الوهمية، لأن طبيعة تلك الشهادات والجامعات التي تصدرها لا يقع ضمن الأطر التي حددت نظام التزوير. وأثناء بحثي وجدت بعض القوانين التي تختص بالشهادات الوهمية خاصة في الولايات المتحدة وبريطانيا.
ومنذ تلك اللحظة فكرت جدياً في اقتراح نظام لتجريم الشهادات الوهمية. في البداية، فكرت أن يكون المشروع جماعياً، ونجحت في الاجتماع مع مجموعة من الزملاء أعضاء المجلس، وقد دعى الدكتور إبراهيم الشدي مشكوراً للجلسة الأولى، وتحدثنا عن الموضوع وأظهر الزملاء فهماً وحماسة ودعماً.
وعندما ذهبت إلى البيت جلست أفكر ملياً في موضوع مشاركة الزملاء، واحترت كثيراً في كيفية التعامل مع مجموعة الزملاء. شكيت أمري لأحد الزملاء فنصحني قائلاً: لماذا لا تقوم بالمشروع لوحدك؟ ولن يبخل عليك الزملاء بالمشورة والنصح والتوجيه بصورة غير ملزمة لهم ولك، وهذا ما حصل فعلاً، فكنت استشير بعضهم في مراحل مختلفة، وكان لهم فضل كبير في تبلور المشروع ووضعه بشكله النهائي.
ومنذ ذلك اليوم بدأت الكتابة والاستشارة مع بعض الزملاء، إضافة إلى الزملاء بالإدارة القانونية بالمجلس، ولعلي أذكر هنا دور المحامي عبدالناصر السحيباني الذي ساعد مشكوراً في صياغة بعض مواد النظام المقترح.
وقد قدمته بشكله النهائي رسمياً لرئيس المجلس قبل عام ونصف العام تقريباً. وقد استغرقت فترة العمل على إعداد المشروع حوالى ثمانية شهور.
وبما أننا في صدد الحديث عن المشروع المقترح، فلا بد من شكر للدكتور عبدالرحمن الزهراني وزملائه في إدارة البحوث والدراسات بمجلس الشورى، لمساعدتهم في توفير الوثائق الحكومية ذات العلاقة بتكوين أساس المشروع.
هل القائمة طويلة التي تقول إنك في انتظار صدور نظام يسلبهم شهاداتهم الكاذبة لتعلنها؟
القوائم طويلة جداً وتشمل المستويات الأكاديمية كافة: (بكالوريوس – ماجستير- دكتوراه)، إضافة إلى دبلومات وشهادات حضور دورات تدريبية. أما إعلان القوائم من طرفي فلم يرد ذلك، وأترك ذلك للجهة الحكومية التنفيذية التي ستكون معنية بالولاية على نظام الحماية من الشهادات الوهمية.
ما هي آلية ملاحقة «الدالات الوهمية».. هل من شركاء؟
الأساس في النظام المقترح هو حماية الوطن والمواطن مما يلحقهم من ضرر نتيجة لتفشي الشهادات الوهمية. وكما تعرف أن الحماية هي مسؤولية الحكومة، وهذا ما أتصور أن تقوم به الجهة التي لها الولاية على النظام، التي اقترحت في مشروعي أن تكون «إدارة حماية المستهلك» بوزارة التجارة والصناعة.
وهي التي تقبل شكاوى المواطنيين المتضررين، وتقيم الدعوى لدى الادعاء العام على صاحب الشهادة الوهمية إذا تطلب الأمر ذلك. وفي تصوري ستشمل الملاحقة أي حامل «شهادة» صادرة من جامعات وهمية أو شهادة غير معادلة من الجهة السيادية المسؤولة وهي وزارة التعليم العالي.
وقد اقترحت في مشروعي مدة ثلاثة شهور بعد صدور النظام لتصحيح وضع المتورطين، والحصول على شهادة «براءة ذمة» لمن يقوم بتسليم شهادته للجهة المعنية لتنفيذ النظام، حتى لا يكون عرضة للمسألة القانونية.
هل نحن مرتع خصب لمكاتب الشهادات الوهمية؟
قبل الإجابة على هذا السؤال، دعني أقول إن الشهادات الوهمية ظاهرة عالمية، فهي تنتشر في غالب دول العالم.
أما في ما يخص انتشار مكاتب الشهادات الوهمية فقائمتها في بلدنا طويلة جداً، وقد أطلعني سعادة الدكتور عبدالله القحطاني المدير العام لمعادلة الشهادات بوزارة التعليم العالي مشكوراً عليها، فأفزعتني، لهذا لا بد من نظام يجرم وجودها والإعلان عن خدماتها وتجريم من يعمل بها من بائعي وتجار «الوهم».
في مجلس الشورى كشفت عن شهادات علمية مزورة.. كيف تفسر وجود مثل هذا الباب الخلفي الكبير، فيما يفترض أنه الباب العالي للدولة؟
لم أقل إن هناك شهادات علمية مزورة دخلت مجلس الشورى، كل ما حاولت أن أقوله رداً على مذيع قناة روتانا خليجية في مقابلتي معه، أن مجلس الشورى مثل أية مؤسسة اجتماعية في المجتمع، دخلها الوهميون بشكل غير رسمي، مثل دخولهم في القطاع الحكومي. وبما أن الشهادات الوهمية «وباء» منتشر في مفاصل المجتمع، فمجلس الشورى بوصفه مؤسسة ليس محصنناً، ووجود تلك الشهادات به غير مستغرب.
الأرملة السوداء
كانت البوابة ذات القدْح المعلّى في الثورات العربية هي الشبكة العنكبوتية.. هل ترى أن هذه البوابة ستكون الأرملة السوداء للفساد الأكاديمي في بلادنا.. وبحملتك عليهم سيقضي عليهم سم الكشف في الإعلام الجديد؟
هذه الشبكة العنكبوتية رهيبة فعلاً «شبكة»، فالمعلومات التي تقع فيها يصعب جداً خروجها منها.
وقد شكل لي «صيد» هذه الشبكة الأساس المعرفي لمشروعي، ووفر لي المعلومات الكافية لتشكيل صورة حقيقية عن ظاهرة الشهادات الوهمية كماً ونوعاً.
وربما لولا هذه الشبكة لأصبحت مثل «حاطب الليل». أما من ناحية القضاء على الشهادات الوهمية فقد لاحظت بوادر الخير، وهو اختفاء الإعلانات المدفوعة بالصحف التي تمدح وتثني على خريجين وخريجات الجامعات الوهمية، ولا أستبعد أن أجد يوماً إعلاناً من شخص «تورط» بشهادة وهمية براءته منها على صفحة أحد الصحف.
لماذا هي الجامعات استطاعت أن تمنع أصحاب الشهادات المزورة من دخول أقسامها، في حين نراهم نجوماً مرصعة في الملتقيات وبقية الوزارات؟
الوظائف الأكاديمية في الجامعات السعودية الحكومية، مثل أية وظائف في الأجهزة الحكومية، محمية بحكم نظام الخدمة المدنية، فلا يدخلها إلا صاحب شهادة معترف بها.
لكن وجدت عدداً قليلاً من «الأكاديميين» الوهميين يدرسون ببعض الجامعات والكليات الأهلية.
وهذه شكلت لي معضلة جديرة بالنظر، وتتمثل في كيفية تقبل وزارة التعليم العالي ذلك، وهل تعترف بشهادات جامعة أو كلية درس بها «وهمياً»؟ وهل للطلاب الحق في استرجاع ما دفعوه من رسوم دراسية لتلك الكلية أو الجامعة التي درس بها «عضو» هيئة تدريس وهمي؟
وحتى لا تقول إنك ضد التعليم العالي الأهلي، أقول إنني وجدت عدداً لا بأس به من أعضاء هيئة التدريس السعوديين والمتعاقدين بجامعاتنا الحكومية العتيقة، شاركوا بالإشراف على رسائل جامعية صادرة من جامعات وهمية. تباً للشبكة العنكبوتية لم تخفِ شيئاً!
أما ما يتعلق بقولك إن أصحاب الشهادات نجوماً مرصعة في الملتقيات والوزارات، فهذا حكمك أنت، أما من حولهم ويعرفون حقيقتهم فلهم نظرة أخرى. صدقني هم دائماً مجال خصب للتندر!
اليونيسكو أشارت في تقرير لها عام 2001 إلى وجود فساد في التعليم، ومن ضمن ذلك وجود سوق لبيع الشهادات، لماذا لم نتحرك إلا بعد عشر سنوات؟
من قال لك ذلك؟ هذا غير صحيح، فقد تحركت وزارة التعليم العالي باكراً نوعاً ما، وحصلت على أمر ولي العهد الأمير نايف بن عبدالعزيز عام 1429ه بإغلاق مكاتب لجامعات وهمية.
كما تم تشكيل لجنة من وزارات عدة للنظر في مشكلة الجامعات الوهمية ومكاتبها في العام نفسه، كما عمم على الجهات الحكومية والأهلية بعدم الاعتراف بشهادات ذلك النوع من الجامعات في تلك السنة أيضاً.
ما السبب في تفشي الشهادات الوهمية في العلوم الإدارية في حين لا نكاد نجدها في علوم الطب والهندسة.. هل يعني هذا أنها علوم من ورق؟
حتى نكون دقيقين، المسألة ليست حكراً على العلوم الإدارية فحسب بل يضاف إلى ذلك القانون وعلم النفس والتربية وعلم الاجتماع والدراسات الإسلامية وغيرها.
كما أن الحقول الأخرى لم تسلم إلا إذا كان الشخص يعمل في حقله، فالمهندس والطبيب والمحاسب يحتاج إلى «رخصة» مهنية للعمل، لهذا لا قيمة لأن يحمل شهادة وهمية كما أن أنظمة تلك الهيئات تجرم وتمنع ذلك.
لكن الغريب أنني وجدت أطباء ومهندسين وكيماويين وغيرهم، حصلوا على شهادات وهمية ويعملون «مستقلين» بمجالات عمل «الوهميين» نفسها، التي تشمل التدريب والاستشارات بأشكالها وأنواعها والجودة والإصلاح الاجتماعي والأسري والإرشاد النفسي.
رفعت مقترحاً لتعديل الطول والوزن في شروط القبول للأفراد ومساواتهم بشروط القبول بالكليات العسكرية.. هل
هذه نظرة لتجنيد أكبر عدد من أبناء البلد تحسباً لحرب تلوح في الأفق؟
لا ليس هذا المقصود، لكن من حيث المبدأ أنا مع أن تتاح لكل شاب سعودي يرغب في أن يكون عسكرياً الفرصة لذلك، فأين نحن من جيراننا العرب وغيرهم الذين لجيوشهم دور كبير في «تكوين» الكوادر البشرية اللازمة للتنمية في الصناعة والبناء والتشييد، مثل الأردن ومصر وغيرهما، إذ يدخل الشباب معترك المهن عملياً من بوابة الجيش.
أما ما طرحته في سؤالك عن تعديل شروط الطول والوزن فقد كان هذا جزء من مشروعي الأول في مجلس الشورى، وهو عبارة عن مقترح لتعديل بعض مواد نظام الأفراد ليتوافق مع مقترح الحكومة الذي وافق عليه المجلس في ما يتعلق بتحديد حد أدنى للطول والوزن للقبول في نظام الكليات العسكرية، إذ حدد الحد الأدنى ب165 سم، وأن يتناسب الطول مع الوزن.
وقد فاز المقترح بالملاءمة، لكن عندما قدمته لجنة الشؤون الأمنية بعد الدراسة أوصت برفضه، بحجة أن نظام الأفراد يخضع حالياً للمراجعة من جانب الحكومة، ولا ترى اللجنة داعياً لاقتراح التعديل، ويمكن أن يطرح التعديل على النظام عندما يصل النظام لمجلس الشورى للموافقة، وتم الصويت على توصية اللجنة ففازت.
تألمت كثيراً لأنه من غير المعقول أن يطلب طولاً من الشاب المتقدم لوظيفة جندي أكثر مما هو مطلوب لزميله المتقدم لكلية عسكرية، لكن صوت الغالبية غلبني!
لا علاقة لي بهاشتاق «هلكوني»
سيرة ذاتية..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.