أنا فتاة في الثلاثين من عمري ومن أسرة محافظة، أعاني وأتعذب نتيجة أحداث الماضي، خاصة إساءة معاملة والدي لي، فكان يفرق في المعاملة بيني وبين إخوتي، سواء الكبار أو من هم أصغر مني سنًا، وكان يخفي حنانه ولا يظهر إلا القسوة، وأمي لم تكن بالأم الحنون أو المربية، وما زلت أتذكر ضرب والدي وإهانته لي، فهو من الأشخاص الانفعاليين وسيّئي الطباع ومن الصعب توقع ردود أفعاله.فرغم كبر سنه كان يغلق الباب علي وأنا طفلة، ويظل يضربني ويقذف بي من أعلى يده ويتركني أهوي إلى الأرض، ويظل كذلك حتى يتعب ويتركني، إضافة إلى الاستهزاء بي، ولم أكن الوحيدة التي تهان، بل رأيته يهين أمي بكل عنف لأتفه الأسباب، فقد امتلأت طفولتي بعدد كبير من المواقف المهينة، حيث كان أبي يحضر الهدية الجميلة لأخي قبل أن يولد لنا أخ آخر، وإذا لمح أحدهم بأنها تفرقة يقول: أنا لا أملك غيره إنه الولد الوحيد، وإذا أحضر لي لعبة بالصدفة يخبرني أنها لي ولإخوتي معي، كما كانت هناك قائمة بالممنوعات، فمنع علي الخروج إلا للدراسة أو العمل، أو إقامة أي صداقة، والخروج بأي رحلة، أو أن أزور زميلاتي، أو السهر والضحك، وصارت صورة ذاتي مشوهة ومضطربة وأصبحت متناقضة، فأحيانا منطلقة واجتماعية ومتفائلة وواثقة من ذاتي، وأوقات أخرى منزوية ومنطوية وخجولة، وعندما أصبحت في الثانوية العامة كان يتقدم لخطبتي عديد من المعارف والأقارب ويرفض أبي ولا يذكر لي شيئا من عروضهم، كنت أعرف ذلك بالصدفة.. وكأنه موضوع لا يعنيني، ومع ذلك كنت قوية لا تهدمني هذه الأحداث حينها بل دفعني ذلك دفعا لأن أستقل بحياتي وأعتمد على نفسي، وأتحدى كل تلك الظروف، وتفوقت في دراستي وأشاد بي أساتذتي وتخرجت وأكملت دراستي العليا والتحقت بأكثر من وظيفة مرموقة حتى وصلت للثلاثين ولم أتزوج، وكان يعرض علي الزملاء والأقارب فكرة الارتباط، وفي كل مرة أدخل في صراع مابين احتياجي للزواج ورغبتي في الهروب من ظروفي، فالزواج بالنسبة لي شيء مفزع ومخيف، ولكني قبلته على مضض، ووجدت في هذا الزواج حياة جديدة، وذلك بمساعدة زوجي ذلك الرجل المتفهم والمتعلم الذي أخرجني من كل مشكلاتي النفسية، والحمد لله رب العالمين.