من المقولات الخالدة في ذهني أن من علامات نجاح ورُقيِّ الأمم أن يستيقظ أفرادها كل صباح مرددين: ماذا يُمكن أن نفعل؟، في حين أنه من علامات الفشل والإخفاق أن يصحو المجتمع من النوم مردداً «ماذا حدث؟ وماذا يمكن أن يحدث؟» إنه الفرق الجوهري بين مواطن آمن على يومه وغده، وبين مواطن قلق تحول إلى ريشة في مهب المصادفات، وإنها المسافة الفاصلة بين منتجين فاعلين، وبين مستهلكين أهم ما يعنيهم منفعة مادية تصب في حياضهم كل شهر، وكم يقلقني ما يُمكنُ أن يتبناه المجتمع من منهج العقوق للأوطان، فبعض النُظم التي عقّت مواطنيها ومجتمعاتها في مرحلة النشوء حصدت العقوق الأليم من شعوبها لاحقاً؛ استناداً إلى قول عمر الفاروق لأحد الآباء «عققت ابنك صغيراً فعقَّك كبيراً»، ومن الضروري البحث عن منهج وطني لتأصيل القيم الإيجابية باعتبارها ركناً أساسياً لبناء الشخصية الوطنية، وتثوير قدراتها، واستيعاب نشاطها، ومنحها الفرصة لخدمة الوطن دون انحياز لأي طرف أو فئة أو قبيلة أو عائلة، ما يعزز مفهومي الشراكة والانتماء الوطني، وكلُ استحضار للشخصية السعودية يستدعي الذهاب بعيداً والغوص عميقاً في بنية المجتمع؛ كون المولود يخرج للحياة بمكونات فطرية ومواهب ربانية ليتولى المحيط الاجتماعي والقرار السياسي بعد ذلك إنماء البذرة ورعايتها، أو التدخل فيها وتعديلها جينياً كما في بعض الخضراوات والفواكه، لتبدو لك لاحقاً «هي، وليست هي!»، وليس بدعاً القول إن الإنسان هو الإنسان في نجد أو الحجاز أو اليابان، فلماذا يتملكنا الإعجاب بالمجتمعات القوية اقتصادياً؟ وأين موقعنا منهم اليوم؟ وما الذي ينقصنا -أو أنقصنا- في أعين الآخرين حتى غدت الشخصية السعودية شخصية جميلة ومترفة ومُنعَّمة تنام على بئر من ذهب أسود يغذي شريان العالم بالحياة؟ والجمال الذي نتوهم أننا نتمتع به ليس جمال الشكل، ولا جمال السلوك، فنحن على سبيل المثال لا نساوي شيئاً مع جمال اللبنانيين، ونحن على مستوى السلوك أضعف وأخجل من مقارنة حياتنا وسلوكيات أفرادنا بدولة ناشئة أو نامية من دول العالم الثالث حولنا، والتي عرفت مبكِّراً مؤسسات المجتمع المدني، ونحن لا نزال صغاراً أبرياء ساذجين، وتشكَّلت فيهم النخب كقوى ناعمة وخشنة لتعزيز وتصويب مسار الدولة، وتهذيب جشع القلة المعتمد على النيل من كاهل الكثرة، فما مقومات الشخصية السعودية لتكون مؤهلة محلياً وإقليمياً ودولياً للمشاركة في المشروع الإنساني، متمتعة بالاحترام بذاتها ولصفاتها السويَّة؟ وما صحة إطلاق صفة مجتمع جديد -أو متجدد- على مجتمعنا؟ وهل بنيتنا قوية وعميقة وجوهرية؟ أم أنها بِنْيَة شكلية خاوية من مضامين؟ وسنسأل أنفسنا: هل من قيمة؟ وهل تأثرنا بالخطابات المُوجّهة حتى فقدنا دينامية الروح؟ ومن غيَّرمسار نموِّنا؟ أسئلة عدة نبثُّها علَّها تُحرِّك من بدأ المأساة لينهيها!.