وصف مواطنون من بلدة ساحوت (220 كيلومتراً غربي حائل) قريتهم بأنها “أفقر قرية في المملكة”، وأكدوا أنها معزولة عن العالم، وتفتقر لمعظم الخدمات الضروريّة، مشيرين إلى وجود طبيب واحد دون ممرض، يخدم نحو ألفي نسمة داخل القرية، إضافة إلى مئات من أهل البادية حولها ممن يسكنون الصفيح، مؤكدين حالات الولادة على الطريق الصحراوي الذي يؤخر إسعاف الأمهات، وأنّهم يعانون من انقطاع السبل، لانعدام الطرق المسفلتة، وشركات الاتصال، ووسيلتهم الوحيدة للتواصل هي جهازا اتصالات عبر الأقمار الصناعية (ثريا). ولادة على الطريق “الشرق” زارت ساحوت، عبر طريقها الصحراوي الوعر، الذي تجتاز خمسة كيلومترات منه الجبال، بينما تتمدد عشرون كيلومتراً في الرمال. عايض بن فرحان، أحد الموظفين الذين يعبرون الطريق الصحراوي يومياً، وصف معاناة السكان في ساحوت قائلاً “السعيد من الأطفال من يولد حياً، لأنّ الوفاة هي الأقرب، بسبب الوعورة وانعدام سبل الإسعاف”، مشيراً إلى أن الطريق رسا على إحدى الشركات الوطنية، لكنها حتى الآن لم تنفذه بدعوى تغيير المسار. أما الأسمر بن عياش، فقد أشار إلى مميزات ومقومات أساسية كان يفترض أن تكون من عوامل نهضة المنطقة، وقال “أول هذه المقومات توفر المياه، فساحوت تقوم على مجرى ماء ضخم، فضلاً عن أنها آخر نقطة شمال غرب حائل، تلتقي مع الحدود الإدارية لمنطقة تبوك” وأشار بن عياش إلى أنّ البلدة تمر حالياً بنهضة عمرانية، إلا أنها تفتقد التنظيم، لأنّ عدم توفر مخطط سكني فيها يشكل عقبة كبيرة في سبيل التنمية الحضارية والتطور العمراني الذي ينشده المواطنون. ويرى رشيد مهل العياش أن معاناة الأهالي تكمن في الجوانب الصحية بالدرجة الأولى، وقال “النقطة الصحية الوحيدة خاوية على عروشها، وتفتقد لأبسط أنواع الأدوية”. وأضاف “حتى مخفضات الحرارة غير متوفرة”، وأشار رشيد إلى أن كثرة المرضى المراجعين يومياً، يؤكد مدى الحاجة الفعلية لتحويلها لمركز رعاية صحية متكامل، وأن أغلب المرضى يتم تحويلهم إلى أقرب مستشفى على بعد مائة كيلومتر. انقطاع عن العالم واشتكى المواطن ماضي بن مهل من غياب الاتصالات، وقال “نحن معزولون تماماً عن العالم الخارجي، نعاني من انقطاع وسائل الاتصال، لا توجد شركات اتصالات متنقلة، ولا هواتف أرضية في البلدة، والأهالي يستخدمون الاتصالات عبر الأقمار الصناعية، بجهازين فقط من نوع “الثريا” عند اثنين من الأهالي. بلدة بلا مدارس ويرى المواطن خلف بن ضبيب أن تزويد المنطقة بمدارس متوسطة وثانوية من أهم مطالب الأهالي، “لأن العديد من الأطفال تركوا الدراسة بعد المرحلة الابتدائية، فأقرب مدرسة تبعد نحو ثمانين كيلومتراً، والأهالي فقراء، ويصعب عليهم دفع مصاريف النقل، إلى جانب خطورة التنقل لهذه المسافة يومياً”. وأضاف بن ضبيب “الأجيال الجديدة في ساحوت، التي ينتظر أن تواكب خطة تطوير التعليم التي أطلقتها الحكومة، أصبحت خارج الزمن، فمع مشقة الحصول على التعليم بسبب التقصير الحكومي، يذهب أغلبهم إلى الأعمال الهامشية، مثل مساعدة العائلة في جلب مياه الشرب، أو مزاولة رعي الأغنام، وهو ما يفاقم من مشكلة تنامي الأمية والجهل”. وقال “إنّ البلدة إلى حد كبير تعد خارج حركة التطور التي تنتشر في كثير من البلدات المجاورة، فالشوارع الفرعية تعج بالغبار نهاراً، وتختفي مع حلول الليل لانعدام الإنارة” مشيراً إلى تردي صحة البيئة، وغياب سيارات النظافة التي نادراً ما تصل إلى البلدة، وهو ما حوّل كثيراً من شوارعها الجانبية إلى مكبات للقمامة. وبيّن أنّ ساحوت تفتقد إلى المياه رغم وجود محطة للتحلية تغذي منازل على بعد مئات الكيلومترات في المناطق المجاورة، لكنها لم تستطع أن تغذي منازل على بعد بضعة أمتار. ستة أعوام دون استجابة “الشرق” التقت رئيس مركز بلدة ساحوت علي المري، الذي أكد شكاوى الأهالي وأقر بمعاناتهم، مشيراً إلى أنه ظلّ على تواصل دائم مع الجهات المسؤولة في حائل منذ ستة أعوام، لكنه لم يجد “سوى الكلام فقط”، بحسب تعبيره، مؤكداً أنه وأهل البلدة يئسوا من طول الانتظار. الطريق الرئيسي الموصل إلى البلدة ضاعت معالمه