أطلق الأدميرال عمرو العامري جلسة خميسية الموكلي، ليلة أمس الأول بعبارة ألبير كامو «كم هم فقراء من هم بلا أساطير»، عندما استضافت الخميسية محمد ربيع الغامدي ليلقي محاضرة عن «أساطير تهامة والسراة»، التي كانت جرساً جلب إليها المثقفين والأدباء في المنطقة الجنوبية؛ من على رؤوس الجبال التي انبثقت منها الأساطير، من جبال الباحة، توازياً مع جبال الريث جاؤوا قائلين إن القصة خاصتهم كالسيل جارياً من «ذي عين»، ليصبّ في تخوم «ساق الغراب». الأساطير التي يرويها الغامدي لمحت فكرة جمعها من مثلث الأحساءوجدة وصبيا، بإلهامٍ من محمد الحرز، وعبدالمحسن اليوسف، وعبدالرحمن الموكلي، ويسندها إلى شخصيات مغمورة نقلت أساطير تهامة مشافهة على لسان عبدالله المحويتي، وأحمد بن منسي، وشخص ينادونه «كوعان». ولكل رواية أسطورية جذورها التي تشعبت منها، وساهم في تطورها الإنسان، وهو ما جعل الضيوف ومحاضرها يتفقون على التفريق بينها وبين الخرافة التي لا يوجد لها أساس اجتماعي. وجبل (ق) ملهم الشعراء قديماً وحديثاً كان البداية وهو الذي طوّق الأرض، وكان بذرة اليابسة وما حوله من محيطات كانت بحراً من الظلمات حتى انفصلت السماوات عن الأراضين، والعهد الذي أخذه الله على سكان جبل (ق) ألا يعترضوا الماء وسموا (أهل طيفة) نسبة إلى طيف الشمس وكانت تهامة هي مصب الماء فكرهوا الشمس لحرارتها وعشقوا القمر، ولكنهم حين خانوا عهدهم مع الله تمزّق جبل (ق)، وعوقبوا بالكراهية، وندبوا آثامهم عند باب «جهنم»، وهو مضيق «باب المندب». الجدير بالذكر أن أساس هذه الأسطورة يلتقي مع نظرية فيقنر «الجغرافية» التي تثبت علمياً زحزحة القارات. أما السراة على رواية عبدالله بن منسي أن كل تهامة والبحر الأحمر والسراة كانت سهلاً ممتداً فعوقب سكانها بالزلازل التي كونت الجبال فاختلفت مستويات الماء، فحين وجدوه قالوا بلهجاتهم «ته ماء»، و»شي ماء»، و»ي ماين»، فنسبت بعدها إلى أماكن الماء، وهي تهامة، والشام، واليمن، التي تعني مكاناً واحداً، ولا تعني الجهات حتى سخر الله لهم ثوراً يحرث الأرض. أما كوعان فقد وصف أن جبل شدا كان بجوار جبل حزنة زوجته ببلجرشي، لكنه تحرّك وكانت بنتهما هي جبل القارة. وأن الذي سكن جبل شذا هو ملك النسور»نسران» الذي يتيه أولاده عن الجبل، وبينما كان يحلق مر على نجم الدبران، وقال له النجم إنه يعشق الثريا، وأن مهرها عجل من عجول السراة، فقايض النجم بأن يصنع طريق عودة لأبنائه، فوافق أن يعطيه مروة بيضاء على جبل شذا، لكنها سقطت في مكان ذي عين، فدعا عليه بألا يلحق الثريا للأبد، وهو ما جعله إلى الآن يسمى «التابع». وبعد سرد تلك الأساطير، سأل أحمد الحربي، رئيس أدبي جازان السابق، عن مسمى القارة في الأحساء، وفي الباحة، فعلل الغامدي ذلك بأنها قد تكون مفردة تعني الوعورة. وتمنى الشاعر غرم الله الصقاعي من الغامدي أن يؤرّخ للباحة، وهذا ما عارضه الكاتب إبراهيم طالع الألمعي داعياً إلى عدم إدخال التاريخ التقليدي في تدوين الأساطير الجنوبية، حتى لا تفقد زخمها، وتضيع في زحمة تاريخ الجزيرة الذي دونه الأعاجم، وسأل الحسن آل خيرات نائب رئيس أدبي جازان عن هذا الغياب، فأجابه الألمعي بأنه مغيَّب لاعتبارات المنهجية التاريخية التي ماتت معها الأساطير الشعبية بجمالياتها، داعياً إلى «مشروع انفرادي» شريطة ألا يختلط بالتاريخ. وقال الغامدي في معرض تعليقاته أنه لو كان للفقهاء أن يطلعوا على اللهجات الجنوبية وأساطيرها لأفادوا منها حتى في الإعجاز القرآني ككلمة (عَلَقْ)، التي تعني الأسماك الصغيرة في المياه الراكدة، والتي تشبه الحيوانات المنوية في حركاتها وتكوينها. وعارض د.خميس الغامدي أستاذ التاريخ قائلاً بأن الأساطير لا تتفق مع الواقع. وتساءل عبدالعزيز الريثي عن تأثير الجن والحكايات السحرية في نسج الأساطير، فكانت الإجابة بأنه قد تتداخل مع بعضها، لينشد في ختام ذلك إبراهيم طالع أسطورة بين جنية وأحد سكان الجبال بلحن تراثي. وعرّج الحضور على كتاب التوراة جاءت من جزيرة العرب لكمال الصليبي، فردها بعضهم للمقاربات اللغوية، بينما جعل لها الألمعي أساساً حقيقياً، مؤكداً أن المؤرخ حمد الجاسر في نقاشه لكتاب الصليبي جعل له خط رجعة بأن ذلك البحث لو أثبت أن أصل التوراة هو جزيرة العرب لزاد الجزيرة تشريفاً، كونها لب الحضارة، سيما جنوب الجزيرة مستدلاً بممدوحية الأعشى لسيدي نجران: وإن أجلبتْ صِهْيَوْنُ يوماً عليكما... فإن رحى الحرب الدكوك رحاكما. وأن صهيون هو جبل بين جبال السراة بنجران انتهاء إلى الشرق من صنعاء.