من عجيبٍ أن نسمع عن وجود الأصدقاء الوهميين أو التخيليين (Imaginary Friend)، والتي تكون عبارة عن عَرَض نفسي أسري اجتماعي، حيث تتم الصداقة أو العلاقة بين الأشخاص وأصدقاء لهم في الخيال، وليس في الواقع المادي الملموس. وهذه الصداقة قد تكون محتملة في سن الطفولة، وربما تستمر حتى سن المراهقة، قبل أن يحدث لها ما يستدعي خروجها من الحياة بشكل منطقي، إما بسفر أو خلافه، أو بالموت. صداقات خُلقت للعب الأدوار المميزة وأدوارالشجاعة،والأدوار الارتجالية والمتحررة، وكثيرا ما تتطور فيها الشخصيات والسلوكيات حتى تصبح حقيقية بالنسبة للمتخيل، ولكنها في نهاية المطاف تختفي. وقد يكون لهذه الصداقات هدفٌ وظيفي تعليمي عندما يلاعبها المتخيل في طفولته من حيث أنها تكشف «وفقاً لعدد من نظريات علم النفس» قلقاً ومخاوفاً وأهدافاً وتصورات لدى المتخيل تلاحظ من خلال محادثاته، التي يجريها مع الأصدقاء المتخيلين. ويصعب تمييز هؤلاء الأصدقاء المتخيلين عن الأشخاص الحقيقيين حسب ما أقر به بعض الأطفال، في حين أن البعض قد أكدوا أنهم يرونهم فقط في رؤوسهم. وتصور لنا بعض أفلام السينما كيف أن الصديق التخيلي، الذي لا يراه إلا شخص واحد، حقيقة ممكنة، وأن الأطفال هم أكثر من يتأثر بمثل تلك الأفكار، فهم يعيشون ضمنها، ويجدون من خلال تلك الصداقة التخيلية كل ما يحلمون به، ولا يجدونه في أسرهم ومجتمعهم. وأنا هنا لست لأهد تلك الفكرة، بل على العكس فلربما أريد أن أزيدها تبياناً وتوضيحاً. فالصديق التخيلي ليس كياناً مادياً يمكن التحقق من وجوده، ولا هو بالوهم الكامل، مما يمكن إنكاره. بل على العكس، فالإنسان منا يمتلك كثيرا من هؤلاء الأصدقاء، ولكنا لا نعي، ولا نعرف كيف نبحث عنهم. هؤلاء الأصدقاء ملتصقون بضمائرنا، ومشاعرنا، ومخيلاتنا، ونحن «حتى وإن كنا ننكر وجودهم» لا زلنا نناقشهم في كل صغيرة وكبيرة تمر بنا، ونستشيرهم، وهم يفكرون معنا، ويطرحون علينا التساؤلات، وفي كثير من الحالات، يقومون هم بخلق الأفكار الجديدة لنا، ووضع الحلول التي كنا عاجزين عن الوصول إليها بدونهم. كم من مرة تناقشنا معهم، بصوت جهوري، أو بصوت خافت لا يسمعه سوانا؟. وكم من مرة تحدثنا معهم حتى نظر لنا من حولنا بدهشة؟. وكم من مرة كانوا أخياراً، فحاولوا أن يثنونا عن القيام بالشر، والوقوع فيه؟. وكم من مرة جعلونا نقترف ما تعجز عنه الشياطين؟. إنهم معنا يسكنون في دواخلنا، ويسيرون وينامون ويستيقظون معنا، ونحن لا نملك إلا أن نتصالح معهم، وأن نتفهم وجهات نظرهم، وأن ننفذ ما يصبون إليه، رغم يقيننا بأنهم غير حقيقيين. أصدقاؤنا التخيليون موجودون، وهم من يسعدوننا في وحدتنا، ومن نبوح لهم بما لا يمكن أن نبوح به لأحد. يسميهم البعض الضمير، ولكنهم حين يشيرون علينا مشورة شر، فإنهم يصبحون الشيطان، وعندما تكون مشوراتهم لنا متعادلة بين الجانبين، فإننا نعتقد أننا هم، أو أنهم نحن، وأننا لا نمتلك أصدقاء تخيليين.