مهما اشتد سواد الصورة فلن تعدم ما يرفع الحداد عن نفسك ويخطفك ولو قليلاً من أحزانك، فتضحك تضحك تضحك حتى تبدو رئتاك! فهناك…، حيث «التحرير/ الميدان/ الرمز»، حشدت «شلة» من يسمون ب«جبهة الإنقاذ الوطني» (ولا أدري سينقذون مَنْ مِنْ مَنْ!) الذين رسبوا ب»امتياز» في أول اختبار على كرسي السلطة بالاشتراك مع من انضموا إليهم من فلول النظام السابق (سياسيين وإعلاميين)، حشدوا جمعاً غفيراً من الشباب، ثم وصفوا هؤلاء الشباب (المساكين) ب«شباب الثورة»، في محاولة بائسة ل«شرعنة» اعتراضهم على الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي، وأقول «بائسة» لأن الإعلان الدستوري ينتصر للثورة والثوار ودماء الشهداء بشكل غير مسبوق، فكيف لا يقبل الثوار بتحقيق مطالبهم؟! المهم أن هذه الحشود التي قالوا عنها إنها تمثل شباب الثورة، ملأت الميدان، وأكملت الصورة التي يريدون تصديرها للشعب المصري والعربي وللعالم بأسره، لتكون داعماً قوياً لإصدار بيانات قوية من دول مؤثرة عالمياً تدين النظام المصري الجديد، وعلى إثرها يتم إلغاء الإعلان الدستوري الذي رأت فيه «الشلة» طريقاً لاستقرار يرسخ الحكم الجديد، ويبعدهم كثيراً عن المشهد! لكن سرعان ما انكشف الحشد، واتضحت الصورة على حقيقتها، عندما بدأت اللقاءات المباشرة مع نماذج من هؤلاء المحتشدين عبر «الجزيرة مباشر مصر»، إذ يسأل المذيع أحد الشباب: «لماذا جئت إلى هنا»؟ في محالة لمعرفة أسباب تظاهره ضد الإعلان الدستوري، فيجيب الشاب: «أنا (وذكر اسمه) كبير مشجعي النادي الأهلي وجيت هنا علشان إن شاء الله مصر مستقمة»، ويقصد «مستقرة»! فيسأله المذيع: علام تعترض في الإعلان الدستوري؟ فيكرر الشاب: «يا بيه إن شاء الله مصر مستقمة»! يحاول المذيع أن يكتم أنفاسه حتى لا تتسرب ابتسامة تُخرجه من دائرة الحياد على الأقل في نظر «الشلة إياها»، وربما خشية أن يحرق هؤلاء الشباب استوديو الجزيرة مرة أخرى، ويتحول إلى شاب آخر ويسأله: «إيه رأيك في الإعلان الدستوري، ونازل هنا اعتراضاً على إيه بالضبط؟» فيجيب: «أنا نازل النهاردة يا بيه علشان اللي يصبر ينول»! يكاد يختنق المذيع وهو يحبس الضحكات العفوية المفترضة في موقف كهذا، ويتحول إلى الثالث فيسأله نفس الأسئلة، فيجيب: «مش لاقي شغل يا باشا»! وعلى هذه الشاكلة كانت إجابات الرابع والخامس والسادس والسابع… والمئة، إلى أن انتهى زمن البرنامج! للأسف الشديد، هكذا تتصرف «شلة» السياسيين المعارضين؛ ظنوا أن الشكل يغني عن المضمون، وأن بإمكانهم أن يوجدوا لأنفسهم موضعاً في المشهد السياسي المصري غير مشهد المعارض الشريف، حتى إن أحد أبرز هؤلاء يصرح علناً بأنه حتى لو وافق الشعب كله على الدستور الجديد، فإنه لن يعترف به أبداً! فالرجل يرى في نفسه شرعية تفوق شرعية الشعب المصري كله، وهنا لم أعد أرى فرقاً بينه وبين الشاب الثوري/ السطحي/ المباشر، الذي أراد أن يرى مصر «مستقمة»! ومن ثم فلا أستطيع إلاّ أن أكون مباشراً أيضاً وأقول له: «يا بيه اللي يصبر ينول»!