(1) (أتعلمين أيَّ حُزْنٍ يبعث المطر؟… وكيف تنشج المزاريب إِذا انهمر؟). إبان ولادة هذه “الأنشودة السيابية” العذبة كان العراق وارفاً أخضر، وربما لو كان بدر السياب حياً لأعاد كتابة القصيدة بما يتواءم وعراق الجفاف، وجفاء المطر، الذي إن انهمر سيجعل صوت المزاريب نشيداً لا نشيجاً! (2) المطر في الصحارى العطاش أكبر باعث للفرح، في البيد ونفوس أبنائها! تحت المطر يتحرر الواحد منّا من كل شيء كطفل أفلتته أمه في روضة غنّاء، وراح يركض مزهواً بأن أجاد المشي! قطرات المطر تتوالى لتطرق باب الروح بعد أن تزيل برفق كل ما يعترضها، تستدرجها لتخرج من قمقمها، فتحلق كعصفورة رقيقة تحررت من قفصها الحديدي! (3) من لم يتعفر برمال الصحراء لن يجد الفرحة التي نجدها نحن الصحراويين حينما تستوشم أُمُّنا بزخات الغيث! حين تحتجب شمسنا وراء المزن، يصحو داخل كل منّا جدٌ يمتطي صهوة جواده مستشرفاً يفاعاً من الأرض وعيناه ترنو نحو الغرب، وروحه تستغيث، ووجهه يتهلل بشراً ب”حقوق الخيال” المقبل! (4) حينما يرسل الودق قطر وصاله نهرب من صخب المدينة لنلقى أعزّ الغُيّاب، حيث لا يصافحنا إلا متحررون من زيفنا، فينشب في دواخلنا صراع واقعنا، وحقيقة انتمائنا، فننزع فتيل الصراع بأن ننحاز للانتماء! (5) محزن أن البر أصبح عزيزاً حدّ أن ما بقي منه لا يستوعب فرحة مطر! لأجل الله خلّصوا برّنا من قبضة “المخططات”! دعونا نفرح!