غصت خشبة مسرح القباني بشواهد القبور، فقد كانت المقبرة محور مونودراما مسرحية تتحدث عن بطل يحاول مواجهة السلطات التي تريد أن تزيل المقبرة لتبني مجمعاً تجارياً في مسرحية تحمل اسم “المطرود”، وهي من إخراج محمد بري العواني، وتأليف وتمثيل تمام العواني. وفي العرض يظهر “أبو أيوب”، وهذا هو اسم بطل المسرحية، بين شواهد القبور محاولاً أن يهرب قبر صديقه “الشهيد أبو عرب”، الذي قضى معه في إحدى المعارك مع الإسرائيليين، ويروح البطل يخاطب رفاق الأمس، يتذكر بطولاتهم، ويتحدث عن فساد الحاضر، وفساد السلطة التي تريد أن تبني فوق أمجادهم عمارات مزيفة. يتنقل الممثل الوحيد بين مختلف الشخصيات التي يستحضرها، سواء من القبور، أو من القصور الفارهة، خصوصاً حين يستحضر مسؤولاً، هو زميل دراسة فقير وانتهازي، سلك طرقاً غير مشروعة حتى وصل إلى منصب، يسول له أن يبني برجاً تجارياً على أنقاض مقبرة الشهداء. ويروي “أبو أيوب” مأساته الشخصية، فهو جريح معركة وقع في الأسر، ليعود إلى الحياة فيجدها على ما هي عليه من فساد. تلقى مكتبته في الطريق، وهو أستاذ التاريخ، ثم يجد نفسه شخصياً ملقى خارج العائلة، خصوصاً مع محاولات المختار (الجاسوس كما يسميه) سرقة زوجته منه. يعد “أبو أيوب” أن معركته ليست فقط في محاربة الفاسدين، وإنقاذ شهداء المقبرة، بل في إصراره على أن يبقى مدرساً للتاريخ، وهكذا ينهي مسرحيته. وعلق أحد طلاب المسرح من بين الحضور بالقول “إن المسرحية معتمدة بوضوح على قصة مشهورة للكاتب الجزائري الطاهر وطار بعنوان (الشهداء يعودون هذا الأسبوع)، التي تعتمد بشكل أساسي على استحضار الشهداء ورمزيتهم مقابل تفشي الفساد والانتهازية”. وقال المخرج بري العواني، رداً على سؤال حول مفهوم “الآن وهنا” في العرض، “أي وطن يحتاج إلى مواطنة صالحة لتصحيحه. اللجوء إلى الحل الفردي لا يجدي، ولا يكون الحل إلا بالجماعة”. وأضاف “العرض يكشف عن الفساد، وفي المقابل يتحدث عن أولئك الذين ضحوا بدمهم”. ولدى سؤاله لماذا لم تحضر مأساته الشخصية في عرض مسرحي، وهو ابن مدينة حمص، حيث دمر منزله، فنزح إلى دمشق، قال “نعم أنا ضائع ومطرود، أنا وكثير من أقاربي وأبناء حارتي، ومأساتي كانت تلح عليّ دائماً، ولكن لا أستطيع التفكير، والكتابة عن ذلك حالياً”. ويعد المخرج بري العواني واحداً من الوجوه الثقافية لمدينة حمص، وارتبط اسمه بنادٍ ثقافي بارز في المدينة هو “نادي دوحة الميماس”، وهو نادٍ موسيقي ومسرحي. والعواني حائز على إجازة في اللغة العربية. وعمل ممثلاً في العديد من الأعمال التلفزيونية والمسرحية. من أعماله في المسرح “الحفلة دارت في الحارة”، و”الجدران القرمزية”، و”الزنزانة”، و”هاملت يستيقظ متأخراً”. أ ف ب | دمشق