كنت يومها رئيس وحدة جراحة الأوعية الدموية في المشفى التخصصي في القصيم. كان الوقت ليلاً والإسعاف كعادته مزحوماً. قالوا لي هناك مريض سوداني دخل بحالة ألم شديدة في الساق. انسدادات الشرايين الحادة رأيت منها الكفاية والحالات الإسعافية المترافقة بآلام مبرحة رأيت منها بقدر الشعر الذي سقط من رأسي. المرأة الشركسية البدينة بالتهاب معثكلة (Pancereatitis). الذي كان يتلوى على الأرض من قولنج كلوي. المصفر المصدوم بانسداد الشريان المساريقي العلوي (Mesenteric Artery). الماسك بطنه من الألم بالتهاب زايدة حاد. الذي كان يقفز من الألم من التهاب مرارة حاد. والأعجب انفجار مرارة عند امرأة عجوز وهي معهودة في الزايدة وليس في المرارة. وهذه لها قصة خاصة بها، فقبل أن أنزل أغراضي للعمل في مدينة النماص الجميلة قالوا لي حالة طارئة بانتظارك، قلت للسائق استرِح لقد لقيت من سفرك هذا نصباً وانتظرني حتى أعود؟ غط الرجل في النوم، وأنا غصت في بطن العجوز في تلك الليلة حتى الصباح. صديقي السوداني بدت على وجهه علامات الإرهاق. إنها بداية واضحة للإصابة. يسمونها سداسي برات (6 Pratt) من الألم والإرهاق وانعدام النبض وبداية الخذل الحركي وتراجع الحس وتغير لون الجلد. طوّرته أنا إلى تسعة فأضفت برودة الطرف وانخماص الأوردة وعلامة الدوبلر المختفية. الاسم الكريم أجاب عثمان! ربما ربع أسماء السودانيين عثمان. كان التشخيص سريعاً فالرجل يضرب عنده القلب على نحو غير منتظم يسمونه الأطباء رجفان أذيني (AF-Atrial Fibrillation). القلب مضخة تعمل بنظم ثابت وضربات تتراوح بين السبعين والثمانين. إذا زادت سموها تسرع (Tachycardia) وإذا قصرت يسمونها تباطؤاً (Bradycardia). وإذا ضربت بشكل فوضوي قالوا عنها عدم انتظام. صديقي عثمان كان من هذا النوع. سألني بشيء من الوجل: ما أنت فاعل؟ قلت له بشكل واضح وصريح وهدوء: الجراحة. قال: كيف؟ قلت فتح الشريان وإدخال قثطرة ننزع بواسطتها الخثرة! قال: نسبة النجاح؟ قلت له في الغالب جيدة ولكن مفاجآت الجراحة كبيرة! بهذه الكلمة كنت كمن يتنبأ بما سيحدث؟ فتحنا المكان، ومشت سفينتنا بريح طيبة، ونزعنا خثرة بطول حنش أسود. وصورت كعادتي في التوثيق ما حدث. وأغلقنا الشريان وفتحة الجلد في المغبن. تأكدت بجهاز الدوبلر موسيقى عودة الدم في شرايين القدم. ثم فحصت الطرف المقابل. لا حول ولا قوة إلا بالله! تذكرت كارل توما نصف المجنون من ألمانيا مع الانسدادات الثلاثة في الأمعاء بحصاة تجزأت ثلاثاً فاحتاجت ثلاث عمليات. حوقلنا وبسملنا وفتحنا الطرف المقابل بنفس التداخل. في الصباح كان عثمان فرحاً، ولكن سأل باستغراب ما بال جرحين لعملية واحدة؟ قلت له أنت كنت النائم أما نحن فتصببنا عرقاً وروعنا ولكن الحمد لله على النتيجة مبارك. ذهب الرجل إلى بيته وراجعنا في العيادة يمشي بساق طبيعية وليس بساق خشبية.