في نيويورك غضب البحر فضرب، أما في مدينة الرياض وبقيق فكانت حماقة البشر وتهور السائق خلف موت العشرات متفحمين بالغاز والنار والتوتر الكهربي العالي. التسونامي يلتهم بالموج ويزبد، وإعصار ساندي يفيض فيغرق عاصمة المال والأعمال والأنفاق ومعها بيوت كثير من المترفين. وضربة رصاصة طائشة في عرس حولت الأفراح إلى أتراح، والعرس إلى مأتم وعزاء؛ والزواج مناسبة للموت وليس للولادة والانبعاث. فهل من مهرب؟ يقول التاريخ إن وجهه تغير بضربات من هذا النوع، لعل من أشهرها تايفون اليابان في وجه حملة قوبلاي خان المغولي للاحتلال، وغضب المانش في وجه الأرمادا الإسبانية، فهل يا ترى لعب إعصار ساندي دوراً في الانتخابات الأمريكية التي تنافس فيها ديكان لا يختلفان عن بعضهما في شيء سوى أن ريش الأول أسمر أكحل والثاني أبيض أحمر؟ في عام 1280م سال لعاب قوبلاي خان ابن جنكيزخان لالتهام اليابان، فبعد أن ابتلعوا في أحشائهم ممالك امتدت حتى بغداد وموسكو ومعها الصين فقد بقيت الجزر اليابانية يحميها البحر من ذراع المغول الباطشة. قال قوبلاي خان لمن حوله ليس ثمة إلا البحر فلو حملنا قوة الخيال وأذرع المقاتلين من سهول منغوليا فلن يتبقى أمام اليابانيين سوى الركوع والاستسلام أسوة ببقية أمم الأرض. كان امتداد إمبراطورية الخان شيئاً مهولاً وكلفتهم هذه الشعوب آلاماً لا تطاق ومذابح تكومت فيها الجماجم مثل الجبال ومسحت المدن مثل غبار عصفت به ريح في يوم مجنون. قام قوبلاي خان وخلال عام من تجهيز حملة لا تقترب منها حملة النورماندي في الحرب العالمية الثانية، فقد جهز 4200 سفينة مقبل النورماندي حوالي 1600. وحمل على ظهر السفن لاجتياز بحر اليابان 140 ألف مقاتل بسيوفهم وخيلهم وعتادهم، بإمرة قائد مشهود له بالفتح والنصر هو أراكان. ثم تحركت الأساطيل في اتجاه اليابان. تقول روايات التاريخ إن هذا الجيش العرمرم والسفن والسلاح والخيل وعلفها أصبحت كن فيكون. فلم يرجع إلا من يخبر بالكارثة. لم يخوضوا حرباً، لم يقاتلوا عدواً، بل جاءهم عدو لا طاقة لهم به، إنه ريح الله المهلكة وبحره الغريق. إنه التايفون ريح الله المهلكة. هكذا يحدث أحياناً في التاريخ. ونظير هذا حملة الملك الإسباني فيليب الذي أراد احتلال بريطانيا فجهز أسطولاً عز مثيله، جهزه ليس مثل قوبلاي خان على عجلة بل في ثلاث سنين. ثم دخلوا المانش في عام 1570 فنالوا نفس نتيجة قوبلاي خان بالعاصفة والريح العقيم. حدثت مناوشات ولكن فعل الطبيعة كان مخيفاً فقطع دابر إسبانيا منذ حرب الأرمادا وصعدت بريطانيا لتتحول من القرصنة إلى إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس. “وتلك الأيام نداولها بين الناس”.