عندما يفكر العشاق بفرنسا في مدينة نورماندي فإنهم يتصورون بساتين التفاح والمروج المزدانة بالقلاع وجبل سان ميشيل. وعند ذكر نهر السين أمامهم فمن المرجح أن تأتي إلى أذهانهم صور باريس بأكثر من صور نورماندي المطلة على القنال الإنجليزي، غير أن السين يعد أيضا أحد معالم الجذب الكبرى في نورماندي وفي هذا العام على وجه الخصوص. فاعتبارا من الخامس إلى الرابع عشر من تموز/ يوليو المقبل ستستضيف مدينة روين الواقعة على نهر السين على مسافة 120كيلومترا من القنال الإنجليزي استعراض الزوارق الذي يطلق عليه "أرمادا 2008" والذي يعد أكبر استعراض للسفن الشراعية في العالم، ومن المتوقع أن تجذب السفن الطويلة واليخوت المشاركة في الاستعراض ويبلغ عددها 40سفينة نحو عشرة ملايين زائر يأتون ليشاهدوا الاحتفالات التي تنظمها روين كل أربع أو خمس سنوات. ويستطيع هؤلاء الزوار أن يتنزهوا على ممشى الميناء ويبدوا إعجابهم بالسفن ذات الأشرعة الثلاثة التي ستكون معروضة أمام الجمهور، ومن المقرر إقامة حفلات موسيقية وإطلاق الألعاب النارية في المساء. وسيتم افتتاح جسر جوستاف فلوبير - نسبة إلى الروائي الفرنسي الشهير - أثناء احتفالات الأرمادا وسيخصص مبدئيا للمشاة، وسيقام هذا الجسر من الخرسانة والصلب وسيمتد على مسافة 670مترا عبر نهر السين، وسيفتتح في مرحلة لاحقة أمام السيارات. وغالبا ما ينظر الزوار إلى وسط مدينة روين التاريخي باعتباره منطقة رومانسية ريفية ذات طابع يرجع للعصور الوسطى بصفوف منازلها المشيد نصفها من الأخشاب وبشوارعها الضيقة والتي تعد مثالية للتنزه. وتعد كاتدرائية نوتردام رائعة، فهي ترتفع إلى 151مترا، وبداخلها مقبرتا نورمان ديوكس والملك الإنجليزي ريتشارد قلب الأسد، وخلال فصل الصيف يحول عرض للصوت والضوء كل مساء واجهة الكاتدرائية إلى شاشة من الروحانيات تعرض عليها لوحات ورسومات كلود مونيه وغيره من الفنانين بمصاحبة موسيقى وضعت خصيصا لهذه المناسبة وتعزف على آلة الأرغن. وتقع كنيسة سانت جان دارك في ميدان السوق القديمة، وثمة صليب كبير موضوع في المقدمة كعلامة على المكان الذي أعدمت فيه جان دارك حرقا بتهمة الإلحاد في 30أيار/ مايو 1431، وبعد ذلك أصبحت بطلة قومية لفرنسا ثم تم ضمها إلى قائمة القديسين عام 1920، وأصبحت الكنيسة بنوافذها الزجاجية الملونة الرائعة وسقفها الخشبي الذي يشبه لهب النار تسيطر على الميدان منذ عام 1979ومن المخجل البقاء في مكان واحد بنورماندي، وهناك الكثير من القرى والمناظر الطبيعية التي يمكن استكشافها والسماء لا تمطر كثيرا في نورماندي كما يعتقد الناس. ويقول أبناء نورماندي : "إذا كانت السماء تمطر دائما هنا لما احتاجت أبقارنا إلى النظارات الشمسية". وفي الواقع توجد دوائر بنية اللون فوق عيون الكثير من أبقار نورماندي مما يجعلها تبدو كما لو أنها تضع نظارات شمسية. ويتمتع ميناء لوهافر الذي يقع على مصب نهر السين بسحر خاص، وقد تعرض لدمار كبير أثناء الحرب العالمية الثانية، وتم إعادة بناء مركزه بتصميم موحد تحت إشراف المهندس المعماري أوجست بيريه، وتم بناء شقق تستوعب 60ألف شخص إلى جانب المدارس والكنائس والمباني العامة. وبسبب نقص مواد البناء قام المهندس بيريه بإعادة تصنيع الحطام الناتج عن الحرب بالمدينة إلى نوع فريد من الخرسانة عن طريق طحنه ثم فصله وفقا للون وخلطه بالحصى وشظايا الزجاج، وبينما لا يشعر بعض الزوار بالارتياح إزاء منظر المباني المتماثلة فإن بيريه كان ينظر إليها باعتبارها قصائد من الشعر مدونة بالخرسانة. وتعد نورماندي منطقة المتناقضات فهي تتضمن القديم والجديد معا وتجمع بين طابع المدن الكبرى والحارات التي ترجع للعصور الوسطى، وحانات ريفية بسيطة ومطاعم أنيقة، ومنازل خرسانية ومروج خضراء، وكل ذلك يتواجد جنبا إلى جنب. وينطبق نفس المثال على عروض الأرمادا بمدينة روين عندما تبحر الزوارق الصغيرة على مياه السين مباشرة إلى جوار السفن الشراعية الكبيرة القادمة من جميع أنحاء العالم @(د. ب. أ)