في أخر تصريح لوزير الخارجية الروسي مساء الثلاثاء المنصرم في الأردن، قال عن الأزمة السورية: «نحن مع إعادة المراقبين الدوليين لسوريا ورفع عددهم لمعرفة من هي الجهة التي تنتهك وقف إطلاق النار». فكل هذه الأشهر لا يبدو أنها حملت مؤشرات ولو من بعيد ليخمن الدب الروسي من هو المسؤول عما يحدث في سوريا، ولا من المسؤول عن إراقة الدم السوري في كل مدن سوريا من أقصاها إلى أقصاها، مروراً بدمشق العاصمة. التصريح الروسي المضحك لم ينته بعد، فقد أكد لافروف أن «أهم شيء هو يجب أن تتوقف كل أشكال العنف في سوريا والبدء بإقناع الطرفين بالحل السلمي وبناء الدولة بشكل جديد». وقال إن «بعض الأطراف تقول إنه في البداية يجب على الرئيس السوري بشار الأسد أن يتنحى، إذن فهؤلاء لا تهمهم حياة السوريين، لكن رأس بشار الأسد، ونحن لا ندعم هذا الموقف»، فهذه الخاتمة لتصريح الوزير الروسي توضح بجلاء الدور الذي تقوم به روسيا في المنطقة من خلال الأزمة السورية، هذا الدور الأشبه بالبلطجة لا يبحث عن حل قدر بحثه عن مصالحه لحماية الطاغية، فالروس تجار أسلحة تهمهم مصالحهم أكثر من اهتمامهم بحقوق الإنسان، ليس من المتوقع أن تهتم روسيا بحقوق الإنسان في سوريا، ولا في أي بلد في العالم وهي التي لا تقيم لهذه الحقوق وزناً في الداخل الروسي. إن ما يقوم به الروس ليس وليد الصدفة، كما أنه ليس جديداً على هذه الدولة ذات السيرة السوداء منذ ما قبل العهد السوفييتي وحتى اليوم، فتجارة الدم رافقت روسيا عبر تاريخها، فلم تكن أبداً بلداً استعماريا يبحث عن الثروات فقط، بل أضافت إلى هذه الصفة، البشعة في ذاتها أصلاً، صفة التعامل الفظ مع الشعوب، والمعارك الدموية التي كانت سبباً في زوال مدن بكاملها كما حدث، على سبيل المثال، مع مدينة «بودابست» عام 1956 حين دكت المجنزرات الروسية عدة مدن هنغارية فقط لأنها تمردت على السياسات الشيوعية، يذكر «اريش ليسينغ» وآخرون في كتابهم «ثورة في هنغاريا»: «تدل التقديرات على أن عدد الضحايا بين المدنيين الذين تحدّوا الدبابات بأجسادهم وأدوات المقاومة «البدائية» التي امتلكوها يتراوح بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف من المدنيين، وأن نصف القتلى كانت أعمارهم أقل من ثلاثين سنة، كما كان سدسهم من النساء. وزاد عدد جرحى ثورة بودابست 1956 عن عشرين ألف جريح، وذلك دون حساب عمليات الإعدام الكثيرة التي شهدتها هنغاريا كلها بعد أن «صمتت» الأسلحة تماماً يوم العاشر من شهر نوفمبر 1956. وكان من بين الذين طالهم الإعدام «امري ناجي» نفسه عام 1958 وكان عمره آنذاك 62 سنة. أما عدد الذين غادروا البلاد إلى المنافي فيقدّر عددهم بحوالي مائتي ألف شخص». هؤلاء القتلى فيما يقارب عشرة أيام فقط، مع ملاحظة أن الكتاب لا يحدد عدد من طالتهم عمليات التصفية بعد إخضاع العاصمة المجرية بمائة وخمسين ألف جندي روسي وستة آلاف دبابة!، مع العلم أن أبرز ما يدلل على بشاعة السياسات الروسية الدموية هو أن بعض التقديرات تشير إلى قتل الروس لأكثر من عشرين ألف مواطن مجري على خلفية هذه الثورة، أي ما يزيد عن خمسة أضعاف من دهستهم الدبابات الروسية أثناء الثورة. هذه هي روسيا في بلغاريا، وفي البوسنة كان الدور الروسي قريباً من دورها في سوريا الآن، فقد قامت روسيا بتأييد حكومة بلجراد، في سياستها إزاء البوسنة، مع السعي إلى تخفيف العقوبات المفروضة عليها. واستخدام حق الاعتراض (الفيتو) في مجلس الأمن، لمنع توجيه ضربات عسكرية ضد مواقع الصرب في البوسنة. وشجعت المنظمات والهيئات الدولية الخاصة على إرسال المتطوعين الروس، ومن دول سلافية أخرى، للقتال مع صرب البوسنة، ضد المسلمين والكروات. أما في الشيشان وفي أفغانستان فقد كانت روسيا تمارس القتل الوحشي للمدنيين في أي منطقة كان يشك بوجود المجاهدين فيها، كما تقوم بتصفية قرى أفغانية وشيشانية بالكامل. أما في داخل روسيا فقد ثبت من خلال التحقيقات أن الجيش الروسي متورط في قتل مواطنيه، فعلى سبيل المثال، استخدم الجيش الروسي غازاً ساماً لإنهاء أزمته في المسرح الذي سيطر عليه المجاهدون الشيشان عندما تعذر عليه اقتحامه فأوقع من مواطنيه قتلى يفوق عدد الخاطفين بأضعاف في جرائم لم يسمع مثلها العالم إلا على أيدي الأمريكان الذين يبزون الروس في هذا المجال. هذه هي روسيا، ومن كان يأمل في أن تمارس أي بادرة إيجابية نحو الشعب السوري وثورته فإنه واهم فصفحات التاريخ تضيق على حصر مدى وحشية روسيا في سبيل دعم الطغاة لتحقيق مصالحها الخاصة، فدولة تقتل شعبها لا يمكن أن يكون الحل على يديها لأي شعب مهما كان.