خارج حدود التجربة تكتب ندى البدوي، قلمها مازال يرتدي مريلة زرقاء تناسب سنها الصغير الذي لم يتجاوز التاسعة عشرة، بعد أشهر قليلة سوف تتخرج في الجامعة. لكنها لم تخطط لشيء، ولا تنوي أن تعمل في الصحافة التي تفوّقت في دراستها، تحلم بأن تدير متجراً لطباعة وبيع الكتب في مصر، فتظل ملتصقة بورق يعطر المكان برائحة الحبر. «فوضى الاحتمالات، تبعثرني.. كل شيء جائز، وممكن الحدوث؛ حتى أنني في اللحظة القادمة قد أرفرف بين سحاب أبيض يشبه (غزل البنات) الذي أحبه». لا تثق ندى فيما تكتبه. حسنٌ؛ لقد جنبت نفسها عناء الشعور بغرور البدايات وأتاحت لكتّاب –أو نقاد- تجلس إليهم الفرصة كاملة لإظهار ذات منتفخة، ولم تنسَ -بالتأكيد– في كل مرة أن تتسلم نسختها من النصائح. «حدثني بلغة لا تتقنها كي أنصت إليك، تلعثم بشكل جيد كي أصدقك، واجعل حديثك أقل أناقة منك، كي لا يبدو ضوء النهار مفتعلاً، ورقصة العصافير أعلى الشجرة كذبة كبرى»، قلم لا يكتب، ويقرأ لغة وجه أنثوي صامت مكتنز بانفعالات عصية على الرصد، في حين لم تتخلص الكاتبة من ضعفها أمام إكسسوارات نزار قباني، ربما ظناً منها أنها تمنح الشخصية البريق، وتسلط عليها العدسة زووم. «في المساءات التي نتمرد فيها على (ضعفنا) وخوفنا من الفقد الكبير، تتكسر فينا أشياء -كنا نظنها ثمينة- وتفقد بريقها أشياء أخرى، ويزول عنا السحر (تماماً)، نتخلص من لعنتهم التي تلاحقنا في أزقة الليل.. نعود لأنفسنا كمن خرجوا لتوهم من قصةٍ أسطوريةٍ لا تناسبهم.. أدوارها». لا تكلف ندى نفسها عناء تتبع الحكاية، إبداعها جاحد؛ لا يهتم بالسؤال عن أبطاله، ماذا فعلوا وكيف سارت أمورهم؟ إبداع غير فضولي؛ لا يكترث بمعرفة أسماء الشخوص أو يلتفت إلى ثرثرتهم عن الماضي وتطلعاتهم نحو المستقبل. «الرجل المعلق في طرف الحكاية، يغمض عينيه، يضغط على أذنيه بقوة، يهز رأسه بجنون، يضرب به جدار الغرفة.. مازال يراها واقفة في شرفة قلبه تسقي الزهور». هي كاتبة قررت أن تغازل جيل «فيس بوك» و«تويتر» الذي لا يرتاد المكتبات، وتظن أن الأدب برتقالة غنية بالفيتامينات، وعلى الكاتب الجيد أن يتقبل كسل قارئ اليوم فيقشر له البرتقالة ويقطعها له.. تحويل القلم إلى سكين هو ما جعلها تقدم حكايات مبتورة تحرض خيال من يقرأها على أن ينشط ويخمن ما تم حذفه بوصفه فاعلاً في العملية الإبداعية. «تتسع الفجوة بشكل جنوني.. (هي) لا تلمس عمق غربته.. (هو) عاجز عن قراءة حزن عينيها.. (هما) لا يدركان ذلك». تتبرأ ندى من كونها تمتلك مشروعاً قصصياً، أو رؤية لما تكتب، وترى أن التنظير فعل لا يليق بالمبتدئين. تطلق على ما تكتبه «قصاصات».. من يدري ربما يأتي يوم وتشكّل منه طائرة ورقية تزاحم بها المجال الجوي! آخر سطر: لماذا تتقمص شخصيتك في حين بإمكانك أن تعيشها؟!