سوف أذكر صباح يوم السبت ثاني أيام عيد الأضحى 1433ه والضحية السورية. ربط العلج (رجل عسكري من الجيش السوري) ضحيته الإنسانية؛ فقيد اليدين إلى الخلف، ثم أضجع (الخروف) الإنساني على جنبه، ثم وضع حذاءه العسكري الغليظ فوق خد المسكين فثبت الرأس والجسد، ثم أمسك بالرأس فأماله؛ ثم بدأ بالسكين بنحره. المشهد يصور باليوتيوب ويعمم رسالة لكل السوريين. انهمر الدم. لم يقص الرأس والحنجرة، بل تركه يخور ويتألم ويتلوى وينفجر دمه مهراقاً ويلف على نفسه مثل أي ذبيحة حيوانية. لم يكتفِ بهذا بل بدأ بطعنه بحقد في جسده. والضحية يخور ويصدر أصواتاً غير مفهومة. شعور عميق بالخجل أن ننتسب إلى هذا النوع من كائنات اسمها مخلوقات بشرية. أي جنس هذا الذي ننتمي إليه؟! لا أدري ما الذي جعلني أتذكر فيلم الهولوكوست (المحرقة) عن عائلة وايسمان (Weismann) والشاب يتأمل صفوفاً تتقدم إلى القتل الجماعي في روسياالبيضاء. كان النازيون يعرُّونهم من ثيابهم، ثم يقتلونهم، ثم يدفنونهم جماعياً. حاولت الفتاة صرف عيون الشاب عن المنظر. قال لها بل انظري وثبتي هذا في الذاكرة فلا يزول. نحن اليوم أمام هذا الفيلم من اليوتيوب ذاكرة لكل الجنس البشري بما يحدث في سوريا على مدار الساعة. مع ذلك لم يصل النازيون إلى هذا الدرك الأسفل من النذالة. أذكر فقط من العصور الوسطى أن معسكر جنكيز خان كان يفعل بها هذا. أعترف أنني صدمت وهرعت إلى صديقي طبيب الأشعة قلت له هل رأيت؟ أجاب هل رأيت من دفن حياً؟! قال كنت في إعزاز فلما نزل برميل الموت رأيت منظراً هزني ليس في اليوتيوب بل على الأرض، رؤوس تطير. أجساد أطفال تقطع وتشوّه. أطراف تتناثر، ودماء تسيح على الأرض بلون أرجواني. شعبنا النبيل يذبح لأنه قال للنظام الدموي كفى كفى. كتبت فيما سبق عن ذلك العسكري بالكاسكيت الأسود وهو يقفز مثل قط بري على ظهر مسجد في درعا، وهو يحاول وضع الذخيرة بجانب أجسادهم المفجرة المقتولة المذبوحة كي يقال عنهم عصابات مسلحة؟ فعلاً قاموا من قبورهم مثل الزومبي (Zombie) يحملون السلاح والموت ويقسمون على عدم التراجع حتى دفن النظام في مقبرة التاريخ ومزبلة الجغرافيا. قال لي طبيب الأسنان من (التل) لقد دمروا %60 من المدينة. قلت له أعرف المدينة إن أهلها ودعاء طيبون أعرف كثيراً منهم. كنت أمرّ من سفح قاسيون ملتفاً فأصل لهم. ولكن أذكر قطعات عسكرية كثيرة فوق جبل قاسيون. قال المدفعية من هناك حصدت الناس من بُعد عشرات الكيلومترات. تعجبت إلى أين وصلت الأمور؟ وأن أتيلا وجنكيز خان والهون والمغول وبول بوت وستالين وحافظ الأسد والشيطان من فصيلة واحدة. إنها لحظات كسيفة أسيفة في تاريخ الإنسان وإلى أين ينحدر!