حتى وإن كانت مجرد خاطرة استجمعها الرحالة (مبارك بن لندن) كما نسميه في إحدى استرخاءاته، الا أنها تحمل العديد من المضامين العميقة والعميقة جداً.. صحيح انه وصفنا كعرب بالغزاة الطماعين حتى شبهنا بحشود ..أتيلا.. وجنكيز خان إبان المد العربي والإسلامي، لكنه عاد فشهد لنا بالنبل وجمع حضارتي فارس والبحر الابيض المتوسط التي لم تجمع قط في أي حضارة ثم شهد للغتنا العربية بأنها من أرقى لغات البشرية بانتشار الدين الاسلامي حتى قال: أجل ان هؤلاء الأعراب الصحراويين، غزاة طماعون حفاة يكرهون الغرباء، ولا يطيقون القيود، ولكنهم نبلاء. ولاول مرة في تاريخهم اتحدوا في القرن السابع في الجزيرة العربية تحت لواء الاسلام، وجرفوا كل شئ أمامهم. احتلوا أغنى مقاطعات الامبراطورية الرومانية وجميع أراضي الامبراطورية الفارسية. وبعد مرور قرن من معركة اليرموك سنة 639م التي قررت مصير سورية. امتد حكمهم من جبال البرينة وشواطئ الاطلنطيكي، الى الهند وحدود الصين وأسسوا امبراطورية مساحتها أوسع من مساحة الامبراطورية الرومانية. لقد خرجوا من الصحراء، يوحدهم إيمان جديد. وكان طبيعيا أن يفعلوا ما فعلته حشود أتيلا وجنكيز خان، التي اجتاحت العالم ولم تترك وراءها الا الخراب، لكن إحدى عجائب التاريخ هي أن يخلقوا مدينة جديدة ويجمعوا في نطاق واحد حضارتي الفرس والبحر الابيض المتوسط اللتين لم يجتمعا قبل الان. واللغة العربية، التي كانت قد نشأت كلهجة للقبائل الرحل في صحاري الجزيرة العربية أصبح يتكلمها الجميع : من بلاد فارس الى جبال (البرينة) على الحدود الفرنسية الاسبانية. ثم تفوقت على اليونانية واللاتينية، وتطورت حتى أصبحت من أرقى اللغات في العالم. بانتشار الدين الاسلامي. واللغة العربية في الامبراطورية، قلت التفرقة بين المحتلين العرب، ورعاياهم، وأصبح المحتلون المسلمون زملاء لأصحاب الارض في مجتمع واحد، لأن العرب ترجموا آثار الفكر اليوناني وأضافوه الى لغتهم. ولكنها مع تأثرها بالحضارات الأخرى لم تكن أبداً مقلدة، بل ان لها مقوماتها الخاصة، ممتزجة بخلاصة حضارات العالم في فن البناء والادب والفلسفة والتاريخ والحساب وعلم الفلك والفيزياء والكيمياء والطب. وبين المفكرين والأدباء العظام والذين ظهروا في هذا المجتمع نجد عدداً كبيراً من أصل غير عربي ولا يدينون بالاسلام، وأكثرهم كانوا من اليهود والنصارى. واليوم يعد الذين يتكلمون العربية ستين مليوناً وأكثر، وليس من المؤكد أنهم جميعاً ينحدرون من أصل عربي ان ما يقرب من (سبع) سكان المعمورة، يدينون بالاسلام اليوم. هذا الدين الذي بشر به محمد صلى الله عليه وسلم في الجزيرة العربية في القرن السابع، وهو دين ينظم طقوس المسلم الدينية بالاضافة الى مجتمعه وكل ناحية من نواحي حياته اليومية، حتى الاغتسال بعد الاتصال الجنسي والعادات والتقاليد التي فرضها الاسلام على أتباعه هي عادات الجزيرة العربية وتقاليدها، واليوم أينما اتجهت بين المسلمين، سواء أكان ذلك في نيجيريا أو في الصين، فتجد كثيرا من الصلوات العربية المألوفة. وفي اعتقادي أن حضارات العالم اليوم ستمحى تماماً كحضارات بابل وآشور. وأن كتاب التاريخ المدرسي بعد ألفي سنة سيخصص عدة صفحات للعرب دون أن يذكر حتى الولاياتالمتحدةالامريكية. @ رمال العرب