لا غرابة في أن نجد أن كل الأزمات والمشكلات المتأزمة تتمركز في العواصم والمدن الكبرى للدول، لأنها من أكثر المناطق من حيث الكثافة السكانية، والازدحام الشديد في الشوارع والطرقات، حيث تتضاعف أعداد السيارات ويزيد فيها عدد السكان، فتلك طبيعة المدن والعواصم الكبرى، ففيها توجد فرص العمل ومصادر الرزق والتجارة. وفيها مقار الوزارات والمصالح الحكومية والشركات والبنوك، إضافة إلى الأسواق والمراكز التجارية والتسويقية الكبرى. وهذا يجعل الاختناقات المرورية في شوارع تلك المدن الكبرى أمراً متوقعاً ومسلماً به، لكن هذا لا يبرر بأي حال عجز الأمانات (البلديات) وأجهزة الصيانة والتخطيط فيها، عن وضع الحلول الجذرية والفورية لكل الأزمات والمشكلات التي تقف حائلاً دون إحراز أي تقدم، ويكون سبباً في إعاقة مشروعات الصيانة والتطوير، لأن المتوقع أن تكون المدن الكبرى قابلة للنمو وآخذة في الاتساع العمراني طولاً وعرضاً! وهو ما يجعل معاناة المواطن والمقيم في هذه المدن مستمرة ومتواترة، نتيجة لنقص الإمكانات والقصور في خدمات الصيانة لجميع ما يتم إنجازه من مشروعات، وهذا في حد ذاته من أبرز عوامل إعاقة تطويرالمشروعات، وفق متطلبات مواكبة التطور العمراني والنمو الاقتصادي في الدول والمدن، وبناء على معايير عالية الجودة، تستوعب كل ما يستجد من تطورات للتوسع وفك للاختناقات، وما تم التخطيط له مستقبلاً. ويبدو أن المشكلة لا تكمن في التخطيط لتلك المشروعات أو تنفيذها، وإنما هي قائمة في معوق آخر وإشكالية مهمة لابد أن نتنبه لها والتفكير في مسبباتها. ودعونا أولاً نتساءل بصدق وشفافية: هل نحن حقاً نملك الإمكانات والدعم والتصوّر والتخطيط الجيد، لبناء حضارة مستقبلية؟ ونعمل وفق أسس راسخة لوضع قواعد لبنية تحتية راسخة وقوية؟ هل نحن قادرون على أن نكون مبدعين ومبتكرين، لا نكتفي بوضع المخططات والتصاميم، والتخطيط لتنفيذها؟ الجواب أن أهم أسباب فشل كثير مما نخطط له وننفذه بشكل جيد، أننا لا نفكر في وضع البدائل والإبداع في وضع الحلول لما يطرأ أو يظهر من إشكاليات ومعوقات وأزمات! فلدينا طاقات وقدرات إبداعية ملهمة، ومخترعون ومبتكرون ومنتجون. فما الذي يمنعنا من أن نكون مبدعين في إيجاد الحلول للمشكلات التي تصادفنا والمعوقات التي تعترضنا وتعيق مشروعاتنا الاقتصادية والاجتماعية والتنموية؟! ما يؤكده علماء التخطيط والاقتصاد والتنمية أن أبرز المعوقات في التخطيط التنموي في العالم تعود أسبابها إلى عاملين مهمين، هما: سوء التخطيط أو الخطأ فيه، دون دراسة دقيقة للاحتياجات ومعدلات النمو والقصور في إبداع الحلول وندرة الكفاءات من المبدعين القادرين على إدارة الأزمات وحل إشكالياتها بحكمة وبُعد نظر! إن الإبداع لا يتوقف عند الفكر والفنون ومعطيات الإنتاج في هذه الآفاق، إذ إننا نجده يتمثل في كل المجالات التي تخدم الإنسان، وتحقق له أسباب الراحة والانتفاع، وتستفيد منه الأمم كتجربة تهم الصالح العام وتخدم البشرية، ونحن في الواقع بحاجة إلى حلول إبداعية للقضايا التنموية والاقتصادية، ولسنا أقل إمكانات من الناحية الاقتصادية والموارد البشرية المبدعة في كل المجالات من كثير من الدول التي تسبقنا الآن في التطور والتكنولوجيا. بل إننا نجد أنها تعوّل كثيراً على السائح السعودي لزيادة الدخل الاقتصادي لها. التفكير الإنساني له خصائصه المتفاوتة الدرجات من إنسان لآخر. وحين تهتم الدول بخططها التنموية، فإنها أيضاً في أمسّ الحاجة لطاقات إبداعية في التخطيط ووضع حلول إبداعية للأزمات. فالبحث مثلاً عن مكتسبات في قضية النظام الاقتصادي والتحكم في ضوابط معادلات الميزانية والاحتياط المالي، يقتضي وجود عقول مبدعة قادرة على إدارة ما ينجم من خلل نتيجة الظروف أو الأزمات الطارئة، وإبداع الحلول السريعة الناجعة للتضخم والغلاء والفساد، وغيرها من المشكلات المعاصرة التي تعيق التقدم. الإبداع في إدارة الأزمات التي يعاني منها المجتمع ووضع الحلول الخلاقة، يصبح مهماً وضرورياً لمواجهة المشكلات المتفاقمة وفي الأوضاع المتأزمة، ولو تأملنا النظرية الشاملة للإبداع، لما وجدنا ما يشككنا في اعتقادنا الجازم بأهمية الاعتماد على التفكير الإبداعي، وفق تصور بعيد المدى لرؤى مستقبلية تستوعب التطورات وتواجه كل الحالات الطارئة. وما هو متوقع حدوثه.