تتصاعد الأزمة السياسية في العراق بشكل سريع جدا، وتحديدا تداعيات قضية نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي الذي صدرت بحقه مذكرة اعتقال وأوامر منع من السفر خارج البلاد، على خلفية تهم موجهة إليه بالتورط بعمليات «إرهابية» اعترف بها علنا عدد من أفراد حراسته الخاصة اعتقلوا قبل ثلاثة أيام من قبل وحدة حكومية خاصة. وبثت السلطات العراقية ليل أمس الأول على شاشة التلفاز الرسمي اعترافات لمن قالت إنهم ضباط يعملون في فوج حماية نائب الرئيس، أكدوا فيها أنهم «كلفوا بعمليات تفجير بعبوات ناسفة، واغتيالات بأسلحة كاتمة، وأنها كانت بعلم الهاشمي الذي كان يمنحهم مكافأة مالية بعد تنفيذ كل عملية». المتحدث باسم كتلة «العراقية» النيابية التي ينتمي اليها الهاشمي، أكد أن «الهدف من هذه الجلبة هو تمرير بعض الاتفاقات المشبوهة التي تمت في الخفاء بين الحكومة العراقية والإدارة الأمريكية خلال زيارة المالكي لواشنطن التي تمت قبل أيام». وقال النائب حيدر الملا ل»الشرق» «هذه فبركة إعلامية يراد منها تشويه صورة القائمة العراقية، وفيها بعد سياسي يراد منه أيضا خلط الأوراق وإحداث توتر سياسي في البلاد». كلام الملا، جاء متطابقا لما ورد على لسان الهاشمي الذي خرج عن صمته ليرد في مؤتمر صحافي عقده في إقليم كردستان (شمال) البلاد حيث يتواجد حاليا، بالنفي القاطع على الاتهامات الموجهة إليه، قائلا إن «أجواء التحقيق في هذه القضية غير مناسبة إطلاقا، والأدلة التي جمعت والاعترافات التي بثت كانت جاهزة حتى قبل أن يقبض على أفراد حمايتي». نائب رئيس الجمهورية تحدث بلغة هادئة غير تصعيدية كشف فيها معاناته طيلة فترة عمله السياسي خلال الثماني سنوات الماضية، معربا عن استعداده للمثول أمام القضاء شريطة أن تحول القضية المتهم فيها إلى مجلس قضاء كردستان، وبحضور ممثلين عن الجامعة العربية أو اتحادات الحقوقيين والمحامين العرب. وأضاف، الهاشمي «ما بث من اعترافات يشكل خرقا للدستور والقانون، وأنا أضع علامات استفهام كثيرة عليها»، متهما جهات ودولاً خارجية (لم يسمها) بالوقوف وراء تحريك هذه القضية في الوقت الحالي وتوجيه الاتهامات بالضد منه. وفي محاولة منها لتدارك الأزمة أوفدت واشنطن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الجنرال المتقاعد ديفيد بترايوس للتشاور مع القيادات العراقية على اختلاف توجهاتها، بهدف احتواء الأزمة، وذلك بعد أيام على اتصالات هاتفية أجراها نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن مسؤول الملف العراقي في البيت البيضاوي مع زعامات سياسية بالإطار ذاته، وقيل إن بترايوس الذي خدم في العراق كقائد للقوات العسكرية الأمريكية قبل أعوام، شارك في اجتماعات مغلقة لقائمة «العراقية» النيابية بزعامة إياد علاوي التي علقت حضورها في البرلمان وطلبت من وزرائها مقاطعة الجلسات الوزارية. كما أجرى سفير واشنطن ببغداد جيمس جيفري جولات مكوكية على مقرات الزعامات السياسية كان آخرها زيارة لرئيس البرلمان أسامة النجيفي. وعلى الصعيد الداخلي، بدا جليا اضطراب الأجواء حتى أن الشارع العراقي ظهر مكهربا في ظل أنباء وشائعات تنتشر كالنار في الهشيم عن توترات أمنية محتملة الحدوث إذا ما بقي الحال السياسي على ما هو عليه الآن، الأمر الذي دفع الحكومة إلى دعوة رئيس الجمهورية وقادة الكتل السياسية داخل البرلمان وخارجه، لاجتماع مع مجلس الوزراء بهدف مناقشة الأوضاع السياسية، ومطالبة جميع الأطراف الالتزام بالدستور واعتباره الأساس والمرجع الذي يلتزم به الجميع لحل المشكلات والصعوبات التي تعترض العملية السياسية، طبقا لما صدر عن مكتب الناطق الرسمي للحكومة. في خضم ذلك، يقول نائب مقرب من المالكي إن الأخير قطع عهدا على نفسه وبحضور أقطاب «التحالف الوطني» الحاكم، بأنه لن يتراجع عن موقفه في محاكمة المتورطين بهذه القضية، متعهدا بتقديمهم للقضاء حتى وإن كلفه ذلك كرسي رئاسة الحكومة. وقال هيثم الجبوري النائب عن كتلة المالكي البرلمانية في حديث مقتضب مع «الشرق» إن «موقف رئيس الوزراء ليس فيه أي خلفيات شخصية أو مواقف مبيتة ضد الهاشمي أو غيره، وإنما ينبع من كونه رئيس السلطة التنفيذية في البلاد والمسؤول عن تطبيق العدالة». دوائر التحليل والمراقبة، ترى في إثارة هذه القضية وبهذا الوقت تحديدا الذي تزامن مع الانسحاب العسكري الأمريكي من البلاد، بأنها «محاولة من رئيس الحكومة لتقليم أظافر خصومه السياسيين لكن بطريقة قانونية»، ويقول المحلل السياسي إبراهيم الصميدعي، في رده على سؤال بخصوص جدوى عرض الاعترافات وإثارة القضية برمتها إن «السيد المالكي عرف كيف يضرب خصومه السياسيين»، مؤكدا أن المسألة لا تحتمل أي تسوية سياسية أو حتى إمكانية عقد صفقة يراد بها إخراج الهاشمي من التهم الموجهة إليه.