فيما سبق ذكرت أن أي عبادة لها آثار تعود بالنفع على مؤديها جسدياً ونفسياً، وأن منافعها الحميدة تتعدى ذات الشخص لغيره وصولاً للمجتمع والأمّة، إنما لماذا نجد هذا التباين العظيم في درجة تأثير العبادة على نفسيات الناس وتقويم سلوكهم بالرغم من تشاركهم في أدائها بنفس الصورة الجماعية، فأعتقد أن السبب هو إغفال كثيرين منا لدرجة التكامل بين ما هو جسدي وما هو نفسي حال الشروع في أداء العبادة، فالأثر قد لا يتحقق في حال تم الفصل بين هذين الجزأين؛ أو تداخلت بينهما عوامل تؤثر على اتساقهما، وأقرب مثال على هذا الاتحاد أداء فريضة الصلاة، فهي اتصال متكامل بين الجانب الجسدي -المؤدى بحركات محددة تحقق شروطها وأركانها- بجانب البعد الروحي الذي ليس لتساميه وحدوده نهاية، المتمثّل بالخشوع والسكينة والتأمل والخضوع التام لله، وأي مؤثر خارجي يؤدّي لعدم حصول الانسجام بين ما هو روحي وجسدي –كالإغراق بالتفكير في أمر ما- سيؤدي دون شك إلى “التشويش” على الرابط والصلة الوثيقة بينهما، فإن طغى واستمر تسبب في الفصل بينهما لدرجة قد تنتفي معها الاستفادة المثلى من أدائها لتغدو مجرد حركات جسدية شبيهة بالعادة الروتينية، والملاحظ –ولا أبرئ نفسي من التقصير- أن الاهتمام في الغالب يكون بآلية حركات الجسد المؤداة إغفالاً للجانب الأساسي الأهم وهو “الخشوع التام” في الصلاة، وهذا شبيه إلى حد بعيد بحراثة الأرض وإلقاء البذور دون تعهدها بالري اللازم لنموها وقطف ثمارها، ذلك أن الخشوع التام هو المحقق لمقاصد هذه العبادة النورانية لتؤتي ثمارها اليانعة انعكاساً بتهذيب النفس وتقويم السلوك بجانب ذلك الشعور النفسي الفريد بحلاوة الطاعة.