جنان العود بدأت مجموعة «هامش» في البحرين، كمجموعة ثقافية تهتم بقراءة ونقد الكتب، وعقدت أولى جلساتها بتسليط الضوء على المجموعة الشعرية الأولى للشاعرة البحرينية جنان العود «كونشيرتو.. نحو جهة مأهولة بالسلام»، الصادر أخيراً عن دار الدوسري للثقافة والإبداع، في 95 صفحة من القطع المتوسط، متفرعاً في فصلين، الأول جاء باسم «تغتسل بالقند»، والثاني «قوارب ورقية»، ضما قصائد نثر بالكامل. يرى الشاعر كريم رضي أن الشاعرة أحبت أن (تقول عن الكثير بالقليل) بحسب تعبيره، فحاولت الحديث عن كل شيء، وهذا شأن المجموعات الأولى، غير أنها وقعت في فخ الاختزال، فلم تتح للتجارب كماً من النضج يؤهلها للخروج بصيغ أخرى، غير أن هذا لم يمنع العود من القبض على لغة شعرية جميلة، وكذلك خيال شعري خصب استطاعت به أن تمسك بأفكار القراء. أما الشاعر أحمد رضي، الذي قدّم لجلسة (هامش)، فقد أكد أن الشاعرة وفقت كثيراً في المقاطع الصغيرة ذات الدفقات الشعورية الواحدة، فيما لم تتمكن الشاعرة من إمساك القصائد الطويلة، بذات النفس، معداً أن هذا علامة وسمة غالبة في المجموعات الأولى، حيث تكون النصوص المكثفة أكثر قدرة على التعبير عن ذات الشاعر الذي يتجه نحو موضوعات متعددة، فيما ينصبغ هذا التعدد على النصوص الطويلة، فتفقد القصيدة تركيزها فيها. من جانبها، أشارت الشاعرة نادية الملاح إلى لغة العود التي استخدمتها في الديوان، مؤكدة أنها استطاعت ومن خلال المجموعة الأولى أن تبرهن على امتلاكها لغة شعرية وفرادة في الخيال، غير أنها أشارت أيضاً إلى ضرورة أن توسع الشاعرة من قاموسها اللغوي، مؤكدة على أن هذا الأمر بالإمكان قياسه لدى قراءة نصوص جديدة أو مجموعات جديدة للشاعرة. الشاعر مهدي سلمان بدوره رأى أن المجموعة مقسمة إلى ثلاثة أجزاء، الأول وهو الأطول والسريع، تسعى الشاعرة فيه للتعريف المباشر بالأشياء، فتكون القصائد فيه، ومضات سريعة مكونة من أجزاء مختلفة، لكن يمكن اعتبار هذا الجزء كأنه محاولة أولى للوصول ناحية الشعر عبر التعريف المباشر للكون، لأشيائه وكائناته، فتقدم الشاعرة اقتراحاتها للأشياء، وتعريفاتها لها مثلما لو أنها تحاول أن تضع كل شيء في إطار خاص بها، وكأنها تخلق قاموسها الخاص بها. ويرى سلمان بأن القسم الثاني يشمل نصوص (قوارب ورقية) الأخيرة التي ختمت بها مجموعتها، معداً أنها نصوص ذاتية لكنها أيضاً ليست موغلة في ذاتيتها، لأن حضور الغنائية الشديدة في هذه النصوص يمنعها من التحول نحو الذاتية المطلقة، ويعيقها عن اكتشاف حقيقتها. أما القسم الثالث الذي يراه سلمان فهو النصوص التي تؤكد على حالة التماهي الشعرية، بين الذات الشاعرة والنص، فالنص ليس تعليقاً على حدث أو وصفاً له، بقدر ما هو معايشة له، أو مساءلته، بحثٌ فيه، واكتشافٌ لأثره، وفي هذه النصوص، ربما تبتعد الرومانسية الشعرية قليلاً، لتحضر الفكرة، فالنصوص هنا لا تسعى نحو صنعة الشعر، إنما تسعى لروحه، وهو الأهم، أن يبتعد الشاعر قليلاً (كثيراً) عن التشبيه والوصف واللعب باللغة أو معها، ليذهب في أغواره العميقة، ذاته الأبعد، ليحاول معرفتها، وضع المرآة عليها، إشعالها بالضوء. وأخيرا؛ نوه الشاعر محمد النبهان على حذر العود في الدخول إلى مناطق كان من الممكن أن تكون بكراً في نصها الشعري، وعن النص الأصلي الضائع في النص المدوّن في هذا الحذر الشديد أو انغلاق السطر الشعري عما قبله وبعده، حيث تبدو نصوص «كونشيرتو» مغلقة من ناحية وحدة السطر، رغم أنها لا تنتمي لشكل كتابة تقليدية (وحدة الوزن مثلاً). فالحكاية المعلنة هنا مبللة الأطراف، لا تغوص في التفاصيل الداخلية الخاصة، إلا في المقاطع التي تأتي مكثفة كوحدات مستقلة يمكن تجزئتها لأكثر من نص وأكثر من حالة. في حين أن العود، في النصف الثاني من «كونشيرتو» بعنوان «قوارب ورقية» تعود إلى الصورة الواحدة/ المشهد الواحد وتخلص النص من نصوصه المتعددة، وهنا تجد صوتها أكثر اتساعا على الرغم من قصر النص وتكثيفه. من جهتها، أكدت الشاعرة العود على أنها سعيدة بهذه التجربة التي تخضع فيها نصوصها إلى مختبر حقيقي من النقد، مؤكدة على أن مثل هذه الجلسات هي الاحتفاء الحقيقي بالشعر، ومؤكدة على أنها بالتأكيد ستلتفت لكل ما قيل في الجلسة في اشتغالاتها مستقبلاً، ومضيفة أن (هامش) قدمت لها فرصة لقراءة مجموعتها الشعرية بشكل مختلف.