لقد طَرحت المجتمعات العربية شعارات متعددة، منها قومية، وأخرى أيديولوجية، ولكنها لم تجرب أن تطرح أن يكون العلم هو الحل، وكل الحلول التي جربتها تدور حول نفسها، ولا تشكل أي قفزة إلى الأمام، حتى الثورات السياسية دخلت المختبر العربي ومازالت تحت التجربة، وليس من الحكمة أن نحكم عليها بالنجاح لأن النتائج قد تكون مشابهة لغيرها، والتقييم لا يجب أن يكون على الطريقة العربية «مع أو ضد»، لأن التجربة مهما تكن سلبية لن تخلو من قيم إيجابية، ومهما تكن إيجابية لن يتركها العقل العربي من أن يدمغها بمشكلاته حتى تتحول كسابقتها من التجارب الفاشلة، وتدور في حلقة مفرغة تستنزفنا، في أمل كاذب يأخذ من أعمارنا، ويستنزف الثروة والدم، ثم تلتهمه القوى المتربصة. ولكن لماذا لا تجرب المجتمعات العربية شعار العلم هو الحل؟ لماذا لا تجرب «الثورة العلمية بدلاً من ثورة السلاح»، لماذا الممانعة للعلم والتقدم العلمي، وبرغم أن التقدم العلمي قد يكون في جزيئات صغيرة كنعمة ملتبسة بالنقمة، كما يقول «بودمر»، إلا أنه لا توجد نقمة أسوأ من الركود العلمي. وفي محاولة للإجابة على السؤال السابق، لماذا المجتمعات العربية لا تجرب شعار العلم هو الحل؟ نستلهم «بوبر»، وهو أكثر المنظرين تحيزاً للعلم، على أن هناك عقبات تعوق التقدم العلمي، حيث يرى أن العقبات الكبرى للعلم هي ذات طبيعة اجتماعية، وأنها تنقسم إلى قسمين: العقبات الاقتصادية، والعقبات الأيديولوجية. من المشكلات الاقتصادية الفقر (على الرغم من أن كشوفاً علمية أنجزت في ظل الفقر). وأضيف هنا الفساد الذي يداهم النفقات العلمية «ميزانيات البحث العلمي» في العالم العربي، على الرغم من أن أرقامها المعلنة مخجلة، إلا أن هذا النزر اليسير تتلقفه الأيدي على «الكراسي العلمية»؟! وليس في المختبرات العلمية. وما تبقى من البحث العلمي يخرج على مساري البحوث العلمية المتهالكة من أجل الترقية، أو بعيداً عن الموضوعية والمصداقية العلمية. والعقبة الكبرى الثانية التي يراها «بوبر» للتقدم العلمي تتمثل في التعصب الأيديولوجي الذي عادة ما يقترن «بالدجماطيقية» (التصلب الذهني)، والافتقار إلى الخيال، ويرى بوبر في نظرة متطرفة أن القمع أهون على التقدم العلمي من التعصب الأيديولوجي، ويقول «ربما غنم العلم من استشهاد جيوردانو برونو، ومحاكمة قاليليو، بينما خسر العلم خسارة كبيرة من معارضة محاكم التفتيش».