يقف مرشحو الدخول إلى مدرسة موسيقى المارياتشي في المكسيك بتوتر بالغ أمام لجنة القبول، فدخولهم هذه المدرسة قد ينقلهم من كونهم عازفين في الأفراح والمناسبات والشوارع إلى موسيقيين محترفين متخصصين في هذا اللون الفولكلوري القديم. بدا عازف المارياتشي المكسيكي الفونسو رييز متوتراً عندما بدأ العزف على آلة الترومبيت أمام اللجنة، فعاجله أستاذه فريديريكو توريس بالقول “لا تقلق واهدأ” محاولاً إعادة تلميذه إلى الإيقاع الموسيقي الذي أخرجه توتره عنه. وتابعه الأستاذ بعناية قائلاً “على مهل، واحد.. اثنان.. ثلاثة.. أربعة…”، حتى تمكن العازف الشاب من استيعاب الإيقاع والعزف ضمنه. ويبدو أن ألفونسو محق قليلاً في توتره، ففي حال اجتيازه هذا الامتحان سيكون من بين دفعة أولى من الطلاب تقبلهم مدرسة المارياتشي في مدينة مكسيكو، وهي تمنح شهادات في هذا النوع من الموسيقى الشعبية التي لا تفارق حفلات الزفاف وسهرات المطاعم. وتناقلت الأجيال في المكسيك هذا اللون الموسيقي بالوراثة، من الأب إلى الابن، وهكذا. وبرع رواده مثل “إل ري”، و”سييليتو ليندو”، بعدما تلقوه سماعاً عن أهلهم دون أي دراسة موسيقية أكاديمية. لكن هذه المدرسة تسعى إلى تغيير ذلك، من خلال منح شهادات موسيقية من شأنها أن تشد أزر العازفين في فرق الفولكلور المعروفين بقبعاتهم الضخمة وأزيائهم التقليدية. ويقول ألفونسو “هذه المدرسة تتيح لنا أن نتخلص من فكرة أن عازفي موسيقيي المارياتشي يقتصر دورهم على الأفراح والمناسبات، وأن لا شيء يميزهم شوى ملابسهم الغريبة”. وبرأي ألفونسو، فإن هذه المدرسة من شأنها أن “تجعل العازفين أكثر احترافاً، وهذا اللون الموسيقي أكثر تطوراً”. هذا الشاب واحد من 113 مرشحاً للمدرسة، تتراوح أعمارهم بين 12 عاماً وسبعين عاماً، يتطلعون إلى المقاعد الدراسية ال75 المتوفرة، حيث يمكن تعلم العزف على الجيتار والباص والكمان والترومبيت والهارب، وكذلك على آلة “فيهويلا” الإسبانية المشابهة للجيتار. ويقول أستاذ الكمان آرون جيمينيز “نريد أن نرفع مستوى الموسيقى، ولكن دون المساس بروحها، وإلا فإننا سنخسر أجمل ما في الموسيقى المكسيكية”. ومع أن هذا اللون الموسيقي يعود إلى القرن ال19، إلا أن المكسيك تعاني من شح في المؤسسات المعنية به. وفي العام الماضي افتتحت مدرسة بلدية للمارياتشي في شرق البلاد، حيث نشأت هذه الموسيقى. ومن المقرر أن تفتح مدرسة أولين يوليزتلي أبوابها في الثامن من أكتوبر في مكسيكو، بمنهاج دراسي يختتم بنيل شهادة دبلوم. وهي تعتزم في مراحل لاحقة منح دبلوم جامعي في موسيقى المارياتشي. وتقول مديرة المدرسة ليتيسيا سوتو فلوريس “كثير من الموسيقيين يسعون إلى تحسين مستواهم في العزف”. ويأمل أمين عام اتحاد عازفي المارياتشي المكسيكيين، أنتونيو كوفاروبياس، أن تفتح المدرسة آفاقاً جديدة أمام العازفين الذين يجهدون لكسب لقمة عيشهم. ويقول “من الصعب الحصول على عمل بسبب الأوضاع الاقتصادية في المكسيك”، مضيفاً “كثير من الشباب غير قادرين على متابعة دراستهم، ويريدون أن يصبحوا مارياتشي، لأنها مهنة تدر المال أكثر من العمل في المصانع”. ومن شأن دروس تاريخ الموسيقى والتسويق التي يتلقاها طلاب مدرسة المارياتشي أن تعينهم على العمل كموسيقيين في استوديو، أو في مجالات أخرى، وأن تساعدهم على الخروج من حياة موسيقيي الشارع. ويأمل كوفاروبياس أيضاً في أن يساهم ذلك في إضفاء مزيد من الإبداع على هذا اللون الموسيقي الذي لم يشهد أي تجديد، أو تطوير، في العقود المنصرمة. وترى عازفة الكمان كلوديا غوادالوبي (22 عاماً)، وهي إحدى طلاب المدرسة، أن هذا المشروع يمكن أن يساهم في “إنقاذ ثقافتنا لأننا نوشك على أن نفقدها”. وتقول “أريد أن أكون قادرة على تدريس هذه الموسيقى للأطفال، حيث أقيم، حتى لا نفقدها”. أ ف ب | مكسيكو