آخر نكتة تُتداول هذه الأيام في أروقة السياسة العربية، تقول إن الأمين العام للجامعة العربية «نبيل العربي» سيزور العراق في تشرين الأول القادم من أجل الحصول على ضمانات من العراق حول دعمه ودعم إيران لموضوع تنحية «بشارالأسد»من منصبه ومرحلة ما بعد التغيير، وهذه الزيارات المكوكية للعراق وإيران أصبحت عادة متبعة يقوم بها كل من أراد أن يتناول القضية السورية ويحاول أن يساهم في وضع حد للصراع الدائر فيها، من الممثل الخاص للأمم المتحدة السابق «كوفي عنان» إلى المسؤولين الأمريكيين رفيعي المستوى مروراً بالأخضر الإبراهيمي وانتهاء ب»نبيل العربي، فمن يريد أن يزور دمشق لا بد له أن يطل على بغداد وطهران أولاً ويتشاور مع القائمين فيها ويأخذ موافقتهم الضمنية قبل الذهاب إلى سوريا، لأن هاتين العاصمتين أصبحتا طرفا أساسيا في هذا الصراع الطائفي، وربما لا يعلم السيد «العربي» وقد يعلم ولكنه «يغشم نفسه» أن العراق الذي يقود الجامعة العربية لغاية 2013 في ظل هيمنة ائتلاف دولة القانون بزعامة «نوري المالكي» الذراع الإيراني القوي في العراق، لايمكن أن يقوم بهذا العمل ولو على «رقبته»، أولا لأنه لا يستطيع أن يبت في أمر مهم كهذا إلا بعد استحصال إذن مسبق من إيران، لأنها تمثل المرجع السياسي والفكري والعمق الاستراتيجي له، وحتى إذا استطاع فلا يمكن له أن يفرط في نظام ارتبط معه في حلف ديني مقدس، ولو أنه لا يمت للدين ولا للطائفة ولا لأي فكر إنساني بأي صلة، فالنظام السوري»العلوي» رغم قمعه الوحشي ضد شعبه واستهتاره بالنظم واللوائح الإنسانية وخرقه للقوانين الدولية، وعلى الرغم من أعماله الإجرامية بحق الشعوب العراقية لسنوات طويلة، وإصراره على نسف التجربة الديمقراطية في العراق، فهو يعني للنظام الطائفي في العراق كل شيء، الصديق والحليف الاستراتيجي لايمكن التنازل عنه ولا المساومة عليه، ولو بكنوز الدنيا، بدونه سيتعرض المستقبل السياسي التوسعي للطائفة في المنطقة للخطر، وهذا ما يرفضه رئيس الوزراء «نوري المالكي» (الذي اتهمه مقتدى الصدر بنشر التشيع في العراق) رفضا قاطعا، فقد قامر الرجل بكثير من أجل بقاء النظام السوري الجائر والمحافظة على كيانه من التداعي والانهيار، قامر بما يملك وما لايملك، وضع مستقبله السياسي وسمعته وسمعة العراق وعلاقاته مع البلدان العربية وأنهار من دماء الشهداء الذي سقطوا من جراء اعتداءات هذا النظام وتجاوزاته الآثمة على العراق منذ 2003 في كفة وسلامة وبقاء النظام الأسدي في كفة أخرى، لم يدع طريقا إلا وسلكه لدعم هذا النظام ومساندته، تحدى الإجماع العربي والعراقي والعالم الحرالرافض لممارسات النظام السوري القمعية ضد شعبه، وأرسل قطعاته العسكرية «أربع فرق» إلى الحدود الشمالية لمساعدة «الجيش السوري النظامي» في معركته المصيرية ضد الجيش الحر المعارض، ولكنه اصطدم بالجدار الصلب للقوات الكردية «البيشمركة» المرابطة هناك التي منعته من مواصلة مخططه العدواني وكاد أن يدخل معها في حرب ضروس ولكنه تراجع في آخر لحظة وأوقف تقدم قواته عندما أدرك أنها ستندحر أمام القوات الكردية .. بعد كل هذه التضحيات الجسيمة التي قدمها الرجل للنظام الطائفي السوري مع مساعدات لوجستية «مفتوحة» ومع وضع مجاله الجوي تحت تصرف إيران لنقل الأسلحة إلى النظام السوري، يأتي سيادة الأمين العام للجامعة العربية، ويطلب منه بكل يسر وسهولة ممارسة الضغط على «بشار الاسد» للتنحي عن السلطة !!، «بالزمة ده كلام» يا سيادة «العربي» «قول غيرها»، أليس ما تطلبه من المالكي يعتبر»نكتة» الموسم، يجب أن يتندر بها الأطفال، فالرجل وصلت به الجرأة في الدفاع عن النظام السوري حد أن يشترط على الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» «بجلالة قدره» في حالة إجراء أي تغيير قادم في سوريا أن يضمن تمثيلا معقولا للطائفة العلوية في أي نظام سياسي جديد ويشترط عليه أيضا إشراك الرئيس بشار الأسد في أي انتخابات سورية قادمة !! رغم كل جرائمه وفظائعه التي ارتكبها بحق الشعب المظلوم !! ولو فرضنا أن»نوري المالكي» أجاب طلب السيد «نبيل العربي» وأعطاه الضمانات والوعود الغليظة لدعم مشروعه «الفاشل» في تنحية الأسد من منصبه، مع أنه مستحيل ولن يحدث أبدا، لكن هبْ أنه أقدم على خطوة كهذه فمن يضمن أن السيد «المالكي» يفي بوعده و يلتزم بكلمته ؟ فهو معروف عند العراقيين بكثرة نقضه للعهود والمواثيق وخرقه للاتفاقات المبرمة مع حلفائه وشركائه السياسيين وعدم وفائه بالوعود، فلا يوجد شيء ثابت عند الرجل، فهو يفعل ما يحلو له وما يناسب مصلحته، وإن ناقض المفاهيم الأخلاقية للمجتمع والدين، وسوف يكرر نفس العملية مع السيد «العربي»، فهو ليس بأحسن من الذين سبقوه!