نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي، توقعنا بعد القمة العربية، أن يكون واقعياً في إدارة علاقاته مع محيطه الخليجي، ويخرج من حبوس إيران وهيمنتها على القرارات الحكومية في بغداد، وتفاءلنا بأنه قادر على إصلاح الشأن الداخلي وتوحيد الفرقاء من أجل مصلحة بلده، والابتعاد عن خلق الأزمات مثل تأييده جانباً من شيعة البحرين قاموا بالشغب، والكف عن مهاجمة المملكة كصوت ملحق بالصوت الإيراني، التي لا تخفي عداءها الدائم.. المالكي انتقد بشكل غير مباشر دعوة المملكة وقطر تسليح المعارضة السورية، بينما بلده قنطرة لتمرير السلاح لحكومة الأسد، وتدعمها مالياً، وبالنفط، وكان المالكي شخصياً يضج بالشكوى من دور حكومة الأسد تدريب وتسليح أعضاء القاعدة، وإدخالهم، عبر الحدود بين البلدين، إلى العراق، والآن يتباكى على إسقاط النظام السوري بأنه سيحدث زلزالاً في المنطقة كلها، وهذا الحكم، لو كان صدر من نصف أمي لقبلناه، أما من رئيس دولة فالموضوع يدخل في التعمية السياسية، والمغالطات الفاضحة.. فالشعب السوري ثار على مظالم، تشابه ما كان يعانيه العراق مع صدام، لكن المبرر أكبر من حكاية الأسد، إلى المخاوف من وصول السنّة إلى الحكم لتعزز دور سنّة العراق ولبنان، وهو ما أشرت له سابقاً في افتتاحية هذه الجريدة.. فالدول الثلاث، إيران والعراق ولبنان الذي يحكمه حزب الله في حكومة ظل تقاوم أن يحدث تغيير في سورية يطيح بحكم متناغم طائفياً وإستراتيجياً مع تلك الدول وهذا أساس انفجار المالكي في تعزيز جانب الأسد، ولو معنوياً، أو التكفير عن ذنب عدم حضور موفد من دمشق للقمة العربية.. المالكي أصبح مثل مصارع طواحين الهواء، فهو مرة يريد إلغاء شركائه في الحكم، وتقديم بعضهم للمحاكمة، أو سجنهم في بيوتهم، ومرة أخرى يفتعل مشكلة مع الأكراد الذين حالفوه بشكل مطلق نكاية بالسنّة الذين اعتبروهم صداميين لا مواطنين عراقيين، والخلاف هذه المرة على كعكة النفط، ثم جاء نقل جثة صدام من قريته إلى مكان آخر ليفجر غضب قبيلته ومؤيديه، وهي فرقعات يريد المالكي التغطية على عجز حكومته الاستقلال بقراراتها عن إيران أولاً، ووقف الفساد الذي أصبحت حتى المرجعية العليا بالنجف تدينه، وعلى هذا الأساس صار المالكي يحاول تفجير فقاقيع خارج دائرته معتقداً أن هذا يعزز التلاقي مع حكومة الطائفة العلوية، التي تشاطره النظرة والتوجه السياسي والمذهبي.. الوضع السوري لا تحكمه المساندة العراقية - الإيرانية للأسد، ولا تغيّر مسار ثورته تصريحات حسن نصرالله، والموضوع، بعد مؤتمر أصدقاء سورية في أنقرة، خرج من مسؤولية عربية إلى شأن دولي، وإلا كيف جردت سلطة الأسد من قانونية بقائها والاعتراف بالمجلس الوطني السوري، وخيار التسليح للمعارضة، أسوة بما يجري لتسليح السلطة من روسياوإيران، والدعم المادي والمعنوي من العراق، فإذا كان لتلك الدول الحق بالتصرف وفق مصالحها، فالدول الأخرى، التي تريد حماية الشعب السوري، لها المصالح نفسها، لكن بوجهها الإنساني وواجبها القومي الذي لا يحق لأحد منازعتها لواجباتها..