في سياق حديثنا عن البحث العلمي وأهميته في قيادة أي نهضة، نورد المبادرة اللافتة التي قام بها البروفيسور سليم الحسني (بريطاني من أصل عراقي)، التي أطلق عليها «ألف اختراع واختراع»، التي يمكن أن يكون لها أثر في تحسين الصورة الذهنية عن الجانب العلمي للعرب والمسلمين الذين كانوا في فترة من الفترات يعيشون في عصر أنوار البحث العلمي وتطبيقاته في وقت كان الغرب يعيش في ظلمات العصور الوسطى. ويذكر الحسني أن هناك أكثر من خمسة ملايين مخطوطة من الإرث العلمي لعلماء العرب والمسلمين يحتفظ بها الغرب إلى اليوم ولم يحقق منها إلا أقل من 1 % فقط. وقد أحسنت شركة أرامكو السعودية صنعاً، باستضافتها لهذه المبادرة في برنامجها الصيفي لهذا العام الذي يعد إضافة نوعية لدمج الترفيه مع التعليم والذي يعزز الثقافة العلمية للمجتمع. وقد تم عرض أهم المساهمات التي قدمها العرب والمسلمون في مختلف جوانب المعرفة المتعلقة بالبيت والمدرسة والسوق والمستشفى والمدينة والعالم والكون، مع ذكر تأثيرها في حضارة اليوم، قدمت بأسلوب مبتكر لعرض الفكرة العلمية من خلال تقديم نماذج لمخترعات مختارة وتمثيل للعلماء والمخترعين ليتحدثوا عن مخترعاتهم. وقد نجحت الفكرة وقدمت في عديد من الدول وهي وإن كانت موجهة للغرب في الأصل، إلا أننا نحتاجها لنتعرف على العمق الاستراتيجي التاريخي لحضارتنا لاستعادة دورنا الحضاري. خلال تجولي في المعرض أدركت أنه من السهل نسيان التاريخ المشترك للأفكار العلمية والاختراعات والتكنولوجيا والحضارة على الرغم من أنها إرث ومشترك إنساني شاركت فيه عدة حضارات، وأن بناء الحضارات لا يعتمد على الهوية والجنسية بل على الجهد والفعالية، وأن العرب والمسلمين وإن كانوا قد استفادوا من الحضارات الأخرى مثل الحضارة اليونانية إلا أنهم لم يقفوا عن حدود الترجمة (كما يذكر بعض مثقفينا) بل أضافوا عليها كثيراً كما تفعل الحضارة الغربية اليوم بعد وراثتها لمنجزات الحضارة الإسلامية كما يؤكد فلاسفتهم ومفكروهم الكبار. كل ذلك ذكرني بكتاب «شمس العرب تسطع على الغرب» للفيلسوفة الألمانية زجريد هونكة، التي سطرت فيه آثار العرب والمسلمين على حضارة وعلماء واختراعات الحضارة الغربية. ومما ذكرته في مقدمة كتابها «أن العرب والألمان تربطهم رابطة قوية من الفكر والثقافة امتدت جذورها في أعماق التاريخ، وللأسف الناس عندنا لا يعرفون إلا القليل عن جهودكم الحضارية الخالدة ودورها في نمو حضارة الغرب».