| المستشرقة الألمانية (زيغريدهونكه) واحدة من عشرات المستشرقين وعلماء الغرب الذين درسوا (الحضارة الإسلامية) بعمق ، وقالوا فيها كلمة الحق ، واعترفوا بالريادة الإسلامية في مجال الأبحاث العلمية، وخلوصها إلى نتائج باهرة أفادت البشرية جمعاء، يقول : (جورج سارتون ) : (إن أعظم النتائج العلمية لمدة أربعة قرون إنما كانت صادرة عن العبقرية الاسلامية ، كما أن معظم الأبحاث العلمية الممتازة مدة هذه القرون الأربعة نمت في لغة العلم الكبرى حينئذ وهي اللغة العربية). - أعود إلى المستشرقة (زيغريد هونكه) التي أفرد لها هذا المقال إشادة بما كتبته عن التأثير الحضاري المباشر للعرب والمسلمين في الغرب ، وفضلهم في نقلهم من الظلام الذي عاشوه إلى نور المدنية التي لم يحسنوا التعامل في جانبها الإنساني لطغيان الجانب المادي. - تقول (زيغريد) في كتابها الشهير (شمس العرب تسطع على الغرب): (كل موجة علم أو معرفة قدمت لأوروبا في ذلك العصر كان مصدرها البلدان الاسلامية). وذكرت الدليل في قولها: (لقد قدم العرب ، بجامعاتهم التي بدأت تزدهر منذ القرن التاسع (الميلادي)والتي جذبت إليها منذ عهد البابا سلفتروس الثاني عدداً من الغربيين من جانبي جبال البرانس ظل يتزايد حتى صار تياراً فكرياً دائماً، فقدم العرب بها للغرب نموذجاً حياً لإعداد المتعلمين لمهن الحياة العامة، وللبحث العلمي. لقد قدمت تلك الجامعات بدرجاتها العلمية وتقسيمها إلى كليات واهتمامها بطرق التدريس للغرب أروع الأمثال، ولم تقدم هذا المظهر بل وفرت له كذلك اللباب: (مادة الدراسة) ..ودليل ذلك أنه (خلال الربع الأول من القرن العاشر، خرجت إلى الوجود موسوعة طبية ضخمة استعملها الأطباء الأوروبيون خلال مئات السنين ككتاب للتعليم ، واستعان بها صاحبها في تصريف أموره الخاصة وتعليم تلاميذه، وكان واضع تلك الموسوعة الهائلة رجل ذاعت شهرته في الآفاق حتى أنه لُقب (بأعظم طبيب في القرون الوسطى) وبأحد أطباء العصور كلها. إنه الطبيب الشهير (أبو بكر الرازي) أعظم معلمي الغرب خلال سبعمائة سنة). | وتكشف (زيغريد هونكه) عن حقيقة قد يجهلها البعض ، تعترف فيها بفضل الحضارة العربية : (إن في لغتنا كلمات عربية عديدة، وإننا لندين - والتاريخ شاهد على ذلك - في كثير من أسباب الحياة الحاضرة للعرب ، وكم أخذنا عنهم من حاجات وأشياء زينت حياتنا بزخرفة محببة إلى النفوس ، وألقت أضواء باهرة جميلة على عالمنا الرتيب ، الذي كان يوماً من الأيام قاتماً كالحاً باهتاً ، وزركشته بالتوابل الطيبة النكهة ، وطيبته بالعبير العابق ، وأحياناً باللون الساحر، وزادته صحة وجمالاً وأناقة وروعة ..). | وسر نجاح العرب والمسلمين في الارتقاء بحضارتهم إلى هذا المستوى العالي أنهم: ( في كل حقل من حقول الحياة كان شعارهم: تعلم وزد معارفك قدر إمكانك وأينما استطعت) ..لقد ذاقوا حلاوة العلم فازداد شوقهم إلى البحث عنه، ولم يعودوا يرضون بغير العلم والبحث بديلاً). | ومما يبعث في النفس البهجة والسرور والتفاؤل بمستقبل حضاري مميز لهذه البلاد الطيبة الحرص الشديد من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على تواصل البعثات العلمية إلى مختلف دول العالم للتزود بالعلم والمعارف، ولتعود حاملة بضاعتنا التي أرست دعائم الحضارة الإنسانية، ولتشارك بهمة وإخلاص في المسيرة التنموية الخيرة التي تشهدها مملكة (الإنسانية) والله ولي التوفيق.