ما يحدث في الاتجاه المعاكس في الغالب، خاصة حين يعتبر البرنامج ناجحا وحماسيا، هو أقرب للمناطحة منه إلى المناظرة، وتلك المناطحة هدفها المراء وليس طلب الحق، أي أن كل خصم جاء إلى حلبة المصارعة والمناطحة رأسا لرأس، عفوا المناقشة، وقد وطَّن النفس على تهشيم عظم أنف خصمه بالضربة القاضية! سحرة فرعون يعتبرون نموذجا لشهداء الحق أن يعترف الخصم لخصمه أنه على حق ولو في نقطة واحدة. «فأُلقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين». المراء الذي نهى عنه الحديث هو اعتماد قهر الخصم في المناظرة بأي طريقة وثمن. جاء في الحديث أن من ترك المراء وهو محق بنى الله له ربضا في الجنة. وفي القرآن جاء الويل للمطففين في الميزان، ولكل همزة لمزة، وللمصلين الذين لا تنفعهم صلاة روتينية ميتة عن المراءاة ومنع الماعون عن الناس، أي الغرض الذي ينتفع منه عامة الناس ولا يتوفر عند الكل. في كل مرة أتابع برنامج الاتجاه المعاكس أصاب بشيء من الغم والحزن وانقباض الصدر. أنا أتوقع من صاحب البرنامج أنه حريص أن يكون ساخنا في كل مرة ولآخر لحظة. ربما عليه أن يضع بعض الأسلحة غير القاتلة على الطاولة؛ فقد تنفع في تفريغ انحباس الصدر واحتقان الغيظ إلى الخارج. ربما تنفع بعض الخوابيط أو المنافض أو قتالات الذباب! أنا متأكد أننا سنرى طيران الأسلحة في بعض الحلقات. إحدى المرات هدد أحد الطرفين بقلع عيون خصمه، أما السباب فيتكرر كعملة متبادلة، وتشتد المهاترات إلى درجة بح الصوت وانفجار الجو فلا تسمع إلا هدير طيارات أو قاذفات قنابل وصاحب البرنامج يحاول تهدئة الطرفين اللذين أثارهما بأسئلته الفتاكة المحرضة فيتعاركان ويتناقران أشد من ديكة الصراع المكسيكية. ربما يريد صاحب البرنامج نقل الصورة الحقيقية الخفية لتلافيف دماغ المثقف العربي؛ فمن يحضر إلى طاولة الملاكمة الفكرية هو مثقف أو هكذا نزعم لنكتشف أن المثقف الحقيقي عملة نادرة!