يُنبئ المشهد السياسي في تونس بمعركة كبيرة في قادم الأيام قد تكون لها أبعادها الأمنية والاقتصادية، فالأمر يتعلق بشرعية حكومة الائتلاف الثلاثي بقيادة حركة النهضة الإسلامية، إذ تقول المعارضة إنها تنتهي في ال23 من أكتوبر المقبل حسب مرسوم انتخابات المجلس التأسيسي الذي أُبرِمَ قبل نحو عام. وفي ظل الجدل الدائر حالياً في البلاد، خرج رئيس الوزراء السابق وزعيم حركة نداء تونس الباجي قائد السبسي، ليقول إن الائتلاف الثلاثي الحاكم قد فشل، وإن مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد توقف منذ أن تسلم هذا الائتلاف السلطة، ورأى أن شرعيته الانتخابية تنتهي الشهر المقبل. وقال السبسي، في مؤتمر صحفي في العاصمة التونسية، «عوَّلنا عليهم كي يكملوا بعدنا مسار الانتقال الديمقراطي، لكن هذا المسار توقف ولم يتقدم قيد أنملة». وكان قائد السبسي تولى رئاسة الحكومة في نهاية فبراير 2011 في خضم عملية الانتقال الديمقراطي إثر استقالة محمد الغنوشي آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي، الذي أطيح به في 14 يناير من نفس العام. وشكلت حركة النهضة الإسلامية، أكبر الرابحين في انتخابات أكتوبر 2011، مع حزبي المؤتمر والتكتل العلمانيين، حكومة ائتلافية. ودعا زعيم «نداء تونس»، أحد أحزاب المعارضة، إلى البحث عن توافقٍ سياسي واسع وتشكيل حكومة جديدة بناءً عليه، مشيراً مع ذلك إلى أن حزبه «لن يشارك في هذه الحكومة». ومع الأخذ في الاعتبار أن مهمة المجلس التأسيسي الممثلة في صياغة الدستور الجديد للبلاد لا يمكن واقعياً أن تنتهي في 23 أكتوبر، فإن أطياف المعارضة تقول بضرورة إما تشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة تكنوقراط لتسيير شؤون الدولة لحين انتهاء صياغة الدستور وإجراء انتخابات جديدة. في السياق ذاته، هدّدت الجبهة الشعبية، وهي جبهة سياسية تضم أحزاباً يسارية وقومية، بالنزول إلى الشارع يوم 23 أكتوبر لإجبار حكومة حمادي الجبالي على التنحي. وكان التلويح بالنزول إلى الشارع دفع أمين عام حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الشريك الثالث في الائتلاف الحاكم، محمد عبو، إلى القول في تصريحات سابقة إن من يخرج للتظاهر يوم 23 أكتوبر لمطالبة الحكومة بالتنحي أو دعوة المجلس التأسيسي للتوقف عن العمل «تنطبق عليه عقوبة الإعدام المنصوص عليها بالقانون الجنائي»، ما أثار استياءً بين الأوساط السياسية والحقوقية في البلاد لم يتبدد حتى الآن.ويرى مراقبون أن شقاً في حركة النهضة يدفع هو الآخر في اتجاه تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة، وبحسب متابعين فإن خلافاً نشب بين هذا الشق داخل الحركة بقيادة راشد الغنوشي، وشق آخر بقيادة رئيس الحكومة حمادي الجبالي. من جانبها، رأت القيادية في حركة النهضة محرزية العبيدي، أن الحديث عن انتهاء الشرعية في أكتوبر هو «مزايدات سياسية» باعتبار أن شرعية المجلس التأسيسي هي شرعية انتخابية منحها له الشعب، ولا تتوقف أو تنتهي إلا بشرعية انتخابية أخرى، وأضافت أن المجلس هو «سلطة أصلية عليا».وفيما يتواصل هذا الجدل، بدأ يبرز في الأفق قلق من دخول البلاد في نفق مظلم، نتيجة الفراغ السياسي والتشريعي الذي قد يحدث في أكتوبر، ما سيعني عودة البلاد إلى الوضع الذي عرفته عشية سقوط النظام السابق.