محسن الشيخ آل حسان على الرغم من أنني محسوب على “التيار” الإعلامي والتليفزيون بصورة خاصة؛ حيث قضيت أكثر من (20) عاماً في التليفزيون السعودي (بقناتيه الأولى والثانية) وقبلها حوالي (7) سنوات مع تليفزيون أرامكو في الظهران، وأعددت وقدمت العديد من البرامج في قنوات أخرى (الأوربت – إيه آر تي – تليفزيون الكويت) وغيرها الكثير، وكتبت كثيراً من الدراسات والبحوث والكتب عن تأثير (برامج التليفزيون على المشاهدين) وآخرها كتاب بعنوان (برامج التليفزيون والأطفال)، إضافة إلى أن شهادة الدكتوراة في مجال (تأثير برامج التلفاز على الأطفال قبل وبعد الدراسة). تلك الثروة من المعلومات التي اقتنيتها من العمل أو الاطلاع والبحث والتنقيب وضعتني في مكانة المتهم بميولى (للتلفاز) أكثر من أي وسيلة إعلامية، على الرغم من أنني أثبتُّ براءتي من تلك التهمة بعد أن أصبحت كاتبا في العديد من الصحف وخاصة صحيفة الجزيرة التي أفتخر دائما بالانتماء لها.واليوم وجه لي الإعلامي المعروف والصديق (طاهر بخش) سؤالا ربما أراد منه وبطريقة (ذكية) أن أنتقد هذا (الغث) من القنوات التي ابتلينا بها في بلادنا بعد أن كنا نشتكي من قنواتنا السعودية القليلة التي فرضت علينا (مرغم أخاك لا بطل) سؤال الأستاذ بخش هو «هل نحن بحاجة إلى مزيد من الفضائيات (إذاعة أو تلفازاً) في السعودية»؟وكما قلت فالأستاذ بخش ذكي في أسلوبه وأطروحاته، ولم لا؟ فهو قبل أن يكون إعلاميا فهو من أسرة فنية يعشقون الإعلام والتمثيل بالذات. وأحب أن أستجيب لصديقي بخش وأقول له: «نعم نحن نحتاج لمزيد من الفضائيات الهادفة وذات القيم والهوية العربية الإسلامية الأصيلة». وأقول في نفس الوقت: «لا.. لتلك القنوات التجارية الرخيصة فاقدة الأخلاق والضمير التي تسيء لنفسها وأصحابها قبل أن تسيء لنا نحن المشاهدين (وجزى الله الريموت كنترول كل خير.. علّمنا الطيب من الرديء). وحتى لا يتهمني أحد بأن لي ميولا لقنواتنا (السعودية)، ضد القنوات التي انتشرت مثل الجراد في ليلة صيفية (مع أن الجراد من الأكلات الشهية لبعض المناطق السعودية).لذا دعونا نضع القنوات الفضائية تحت المجهر والتحليل ونقول: «لابد أن نعترف بأننا نعيش الآن عصر (العولمة) رضينا أم أبينا.. عصر التحديات والمنافسات والسرعة والإعلام الحديث – تويتر – فيس بوك – واتس آب – بلاك بيري – وآي فون.. والكثير.. عصر أصبح المتمسك بقيمه وأخلاقياته ودينه وأفكاره كمن هو ماسك على جمرة في راحة يده. وأقول، هنيئا لمن بقي ممسكا بها مهما كانت المغريات والآلام والتضحيات».لابد أن نعترف أيضا أننا في عصر يميز بالتكنولوجيا الحديثة التي تسهل تبادل المعلومات والأخبار والأحداث وسرعتها المتلاحقة وتنافسها الخطير بين حكومات (الشرق والغرب) على من ينال (القطعة الكبيرة من كعكة العالمين العربي والإسلامي). أقول لصديقي بخش: «القنوات الفضائية هي في أولويات التقنية الحديثة» وهي التي تحمل بكلب وتلد أسدا، لذا تسارع كل من هب ودب لفتح قناة فضائية (تلفازية أو إذاعية). وأصبح صاحب العقار أو (بياع الخضرة والسمك واللحم والأرز).. يملك قناة فضائية لأنها ستلد له (أسداً أو ذهباً).إيجابيات القنوات الفضائية كثيرة، فهي تقرب البعيد وتنشر وتعرض وتذيع المعلومات وتنقل الأخبار (ولو أن أغلبيتها تنقل الأخبار المرعبة «الحروب والدمار» وغيرها) وهي التي جعلت من عالمنا الكبير (جزيرة صغيرة) سرعان ما نتناقل أخبارها. إلا أن هناك الجانب السلبي الخطير لها، حيث حولت هذه الفضائيات مجتمعاتنا العربية والإسلامية إلى مجتمعات تلهث وراء المادة (الحرام) وغيرت أخلاقياتنا وسلوكياتنا وعاداتنا وتقاليدنا وحتى اهتماماتنا، ونستطيع أن نقول كانت الفضائيات الوسيلة التي ننقل بها رسالتنا إلى العالم، أصبحت الآن السلاح الذي تحارب به الفضائيات العربية والعالمية عالمنا العربي والإسلامي ومجتمعاتنا بل منازلنا الآمنة المطمئنة.من يصدق أن دولة إسلامية حريصة على الدفاع عن مبادئ وأخلاقيات وأسس ديننا الإسلامي الحنيف تصدر لقنواتنا الفضائية (الدعارة والمسكرات والمخدرات وقلة الأدب) من خلال مسلسلات ترفض دولتها عرضها في البلاد؟ ومن يصدق قنوات سعودية وعربية ومسلمة تعرض بعض الأفلام والبرامج والمسلسلات التي (تخدش الحياء) وتقدم أطباقا من (السفالة والعنف والتدمير) بحجة أفلام (الأكشن)؟ من يصدق أنه لا يوجد برنامج واحد لثقافة أطفالنا وتوعيتهم وحمايتهم من كل المخاطر والصعوبات؟فنحن لسنا في حاجة إلى (الكم) من الفضائيات ولكن إلى (الكيف) منها. لا نريد متاجرة بعقولنا وضمائرنا وأخلاقياتنا وسمعتنا وعروبتنا وديننا من أجل أن يربح (تجار القنوات). نحن في حاجة إلى توعية لا للمجتمع فقط، بل حتى للشعوب والحكومات ووزارات الإعلام والمسؤولين عن إعطاء (تراخيص) للقنوات والإذاعات أن يسألوا: «ما علاقتك بالإعلام عامة وبالإذاعة أو التلفاز خاصة»؟ نحن في حاجة أن نخبر كل رب أسرة أن يكون مسؤولا عن أسرته ومحافظته على مقاطعة القنوات الرخيصة ومنعها في منزله. نحن في حاجة إلى المدرسة لأن تقوم بدورها التربوي لطلابها وطالباتها في حمايتهم من الإعلام الرخيص. أخيرا وليس آخرا، نحن في حاجة إلى أئمة المساجد أن يقوموا بدورهم لنسج ثقافة التوعية بمضار وفوائد القنوات الفضائية، حتى نكون جميعا صمام الأمان للوقاية من الأفكار المسمومة التي تبثها القنوات الفضائية (الإذاعة والتلفاز)!