ما زالت القنوات الفضائية ببرامجها التي تُعنى بالشعر العامي ُتتحفنا بلقاءاتٍ مع شعراء جُدد، وبدلاً من أن يكون اللقاء حافلاً بالفكر والشعر؛ يتحول إلى عرضٍ مسرحيٍ هزلي، وكأنك تشاهد ممثلاً (يتنطط) على أحد المسارح التجارية التي تعرض السخف وتسّوق الابتذال! أولئك في الحقيقة ممثلون (فاشلون) أكثر مما هم شعراء حقيقيون، بهرتهم الأضواء وأعمتهم الفلاشات، ووقعوا في فخ تلك البرامج الفضائية التي عرّتهم أمام المشاهد، ووجدت فيهم مادةً دسمة للتسلية والترفيه، لكنها وللأسف تُنغص على المشاهد «الواعي» أكثر مما تسعده! يبدأ أحدهم اللقاء بإثارة الزوابع، ونشر الغبار في كل الأرجاء، يهرف بما لا يعرف، تجده متعالياً مغروراً، يرى أنه شاعر زمانه الذي لم تلد النساء مثله في الأولين والآخرين، يُلقي بالجمل والكلمات جزافاً بلا أدنى مسؤولية، يمدح نفسه كثيراً بطرقٍ ممجوجة، يهتم (بمكياجه) وهندامه أكثر من اهتمامه بلسانه وعقله، وفي كل حالاته تأتي أفكاره مشوشة وآراؤه متناقضة، يبني ويهدم في نفس الوقت، يتكلم.. ويتكلم.. ويتكلم كلاماً لا فائدة منه و لا معنى له، يبدأ اللقاء وينتهي وهو يصرخ، يتصنع الهدوء وهو في قمة التشنج والارتباك (الفكري) إن صحت التسمية! أولئك الشعراء بحركاتهم البهلوانية، وقدراتهم الصوتية، ومواهبهم التمثيلية، يصنعون حولهم (مجالاً مغناطيسياً) جاذباً؛ يشدّ بعض المتابعين الذين يقعون فريسةً للإبهار الإعلامي الموجّه، ولكي تستطيع الحكم عليهم بموضوعية؛ يجب أن تنجح في الانعتاق من الدوامة و»الدوشة» التي يحدثونها، التي قد تصيبك بالشلل الفكري اللحظي آنذاك، وإن نجحت في ذلك ستجدهم مجرد شعراء «مطافيق»، يكتبون شعراً عادياً وسطحياً في مجمله، وإن كتبوا ما يستحق القراءة -وهو قليلٌ للأمانة-شوهوه بلقاءاتهم وتصريحاتهم السخيفة التي تُزهد الواعين في شعرهم، وليتهم يُريحون ويستريحون!