التنمية المتوازنة والشاملة حلم كل المخططين وهدف الحكومات ولكن تحدث ظروف قسرية أو إرادية سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية تجعل هذا الهدف غير متحقق على أرض الواقع، وحين يقرع أمين منطقة الرياض الأمير الدكتور عبدالعزيز بن عياف الجرس حول ارتفاع الكثافة السكانية في الرياض ويمثلون ما يقارب ربع سكان المملكة، فإن هذا يعني أن هناك مشكلات قادمة خاصة أن عدد سكان مدينة الرياض سيصل بعد حوالي ثماني سنوات إلى عشرة ملايين نسمة، ورأى أن الخلاص هو في المزيد من التوجه إلى اللامركزية وتفويض الصلاحية، حيث سيساعد في التخفيف من مشكلة ارتفاع الكثافة السكانية وما يترتب عليها من مشكلات ليست يسيرة، غير أن حسابات البيدر تختلف عن حسابات الحقل، فمع أن مشروعات التنمية الجبارة في الفترة الأخيرة شملت كل مناطق المملكة دون استثناء، فإن ممارسات كثير من الوزارات مازالت تسعى إلى تكريس المشكلة بدلا من حلها، فالمؤتمرات والاستقطابات والمراكز المالية والتجارية والاقتصادية مازالت تتركز أنشطتها في الرياض رغم معاناة سكانها من الازدحام والضغط على الخدمات، ولذلك تجد أن نسبة الإشغال في الفنادق مثلا مع كثرتها تكاد تصل إلى %100 بينما هي في مدن أخرى أقل من النصف، وفي مدن ثالثة نسبة إشغال ضعيفة وفي رابعة لاتكاد توجد فنادق أصلا، فما الذي يمنع أن يتم تخصيص كل منطقة ومدينة بنشاط معين ويكون توجها للدولة ومشروعا مستهدفا تجهز له البنى التحتية وتضخ فيه الأموال حتى يستوي قويا صلب العود، وليس مجرد لجان تنشيط وجمع تبرعات واحتفالات تصرف فيها الأموال ثم يتسرب كالماء في رمال الصحراء، ففي بولونيا وهي مقاطعة صغيرة شمال إيطاليا يقام أشهر معرض دولي لكتب الأطفال، وهذه المدينة تعيش على المعارض على مدار العام رغم أنها تضم أعرق جامعة في أوروبا ويأتي إليها الناس من جميع أنحاء العالم مباشرة دون أن يكون نشاطها فرعا لروما أو نابولي، وكثير من مدن العالم تقوم على التخصص، ولعل استشعار الأمير سلمان بن عبدالعزيز – وزير الدفاع وأمير منطقة الرياض سابقا لعدة عقود – هذه القضية جعله ينادي بضرورة توفير فرص العمل والخدمات في المدن الصغيرة والمحافظات وعدم تركيزها في المدن الكبيرة.