الأندية الأدبية السعودية مؤسسات ثقافية أدبية فكرية، بدأت فكرتها عام 1395 هجرية وفي نفس العام أصبحت مشروعا كبيرا لمنجز حضاري تم إنشاؤه على أرض الواقع، وتم افتتاح أربعة أندية أدبية في نفس العام، ودارت الأيام وبدأ هذا المشروع ينمو شيئا فشيئا في المناطق الإدارية التي تم افتتاح أنديتها الأدبية بإشراف إدارة عامة للأندية تحت مظلة الرئاسة العامة لرعاية الشباب، ويتولى شؤونها مجلس إدارة معين من قبل الرئيس العام لرعاية الشباب لمدة أربع سنوات، ثم توالت المطالبات بالتوسع في افتتاح أندية أدبية مماثلة في جميع مناطق المملكة وتحقق بعضها في ظل رعاية الشباب، وقدمت تلك الأندية جهدا ملموسا في التأسيس لحراك أدبي ثقافي كان يسير وفق منظومة التطوير التنموي للوطن، حيث قدمت خلال تلك المرحلة ما يمكن تقديمه بحسب ظروف البيئة الثقافية المتاحة والإمكانات المادية، ومن أبرز سمات تلك المرحلة رسم الخطوط العريضة لمسيرة الثقافة في السعودية، ونجحت التجربة بتفوق مما حدا بعدد من مثقفي المملكة يطالبون بإنشاء وزارة مستقلة للثقافة، وتعددت المطالبات في هذا الشأن، وفي نهاية عام 1425ه صدر قرار إنشاء وكالة للشؤون الثقافية ترتبط بوزارة الإعلام، وتم تغيير مسماها إلى وزارة الثقافة والإعلام، فكانت هذه الوكالة نافذة جديدة تطل منها ثقافتنا على مرحلة جديدة أرحب وأوسع من سابقتها، وعلى إثر ذلك تم نقل الأندية الأدبية وجمعية الثقافة والفنون بمختلف فروعها من الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وكذلك سحب المكتبات العامة من وزارة التربية والتعليم وإلحاقها بالوكالة للشؤون الثقافية، وبدأ مشروع عملي جديد ومرحلة ثقافية جديدة من مراحل الأدب والثقافة في بلادنا، يقودها عرّاب تلك المرحلة الدكتور عبدالعزيز السبيل أول وكيل وزارة للشؤون الثقافية. ولأن كل مرحلة جديدة تمر بظروف البدايات، فقد مرت هذه المرحلة أيضا بكثير من المفارقات، وكان لها إيجابياتها، وسلبياتها، ولكنها تجاوزت كل الإشكالات العاصفة في أيامها الأولى، التي كان محورها عدم تجانس أعضاء مجالس الإدارات في الأندية الأدبية على الرغم من أن معظم الأعضاء الذين تم تعيينهم من الأسماء المعروفة في الساحة الثقافية، ولكن بعض المثقفين لا يرى في غيره منفعة، أو أنه يظلم نفسه كثيرا فيغضب من نفسه لعدم ترشيحه من ضمن المرشحين، وهكذا كانت تدار كؤوس الأفكار في الرؤوس، مما أفرز فرقا متعددة بين مؤيد ومعارض ومتوافق ومتوائم، ولم تمضِ السنة الأولى إلا وقد استقرت الأمور ووضع كل شيء في نصابه، وقدمت الأندية في هذه المرحلة برامج ثقافية متنوعة ومتميزة، وشاركت المرأة بفاعلية كبيرة، وخطت بعض الأندية خطوة جميلة في فتح المجال للسينما والمسرح، وكثفت أندية أخرى حضورها بالملتقيات الثقافية التي كانت أبرز سمات تلك المرحلة المتوهجة بالحراك الثقافي المنوع من خلال فعاليات الأندية ومعرض الرياض الدولي للكتاب، وتجديد سوق عكاظ، والأسابيع الثقافية في الداخل والخارج، وغير ذلك من المناشط التي قدمتها وكالة الوزارة للشؤون الثقافية. وبدأ التخطيط الجاد لإعداد لائحة موحدة للأندية الأدبية تعمل على تنظيم أعمالها إداريا وماليا، وكذلك لائحة جديدة للانتخابات، وهي مطلب جميع الأدباء والمثقفين، وقد استغرق العمل في إعداد هذه اللائحة وقتا طويلا، وأخذت المشاورات والمداولات وقتا أطول، ولكنها صدرت -على ما فيها من علل- في نهاية الدورة الأولى لمجالس إدارات الأندية الأدبية تحت مظلة وكالة الوزارة للشؤون الثقافية. وبدأ الإعداد للدورة الإدارية الثانية بفتح باب الترشح لعضوية الجمعيات العمومية للأندية الأدبية، بناء على ضوابط اللائحة الأدبية التي صدرت في 1/7/1332ه، وكذلك الاعتماد على ضوابط الترشيح التي يقرها مجلس الإدارة لكل منطقة، وبحسب بنود اللائحة تم قبول العضوية في الجمعية العمومية في فترة محددة، وتم الرفع بالأسماء إلى وكالة الوزارة للشؤون الثقافية لاعتماد أسماء أعضاء الجمعية العاملين والمشاركين، وتم تحديد مواعيد للانتخابات التي انتظرها المثقفون زمنا طويلا، ولكنها جاءت هذه المرة مخيبة للآمال، حيث ظهر فشلها منذ اليوم الأول الذي تمت فيه الانتخابات بالأجهزة الإلكترونية التي كانت ومازالت محل رفض أغلب المثقفين، وكانت هذه التجربة الإلكترونية هي الإنذار المبكر وجرس البداية لمرحلة اتسمت في عامها الأول بالتخبط في الآراء، والعشوائية في اختيار المناشط الثقافية والتفرد باتخاذ القرارات وتهميش الجمعيات العمومية مما أنتج ضعفا في المنجز الثقافي بكامله وانعدام الرؤية الحالية لمسيرة الأندية الأدبية، فكثرت الاختلافات بين الجمعيات العمومية ومجالس الإدارات، مما جعل أغلبية المثقفين في جميع مناطق المملكة يصمون هذه المرحلة بالفاشلة. وإحقاقا للحق فإن الفشل الذي واكب الأعمال الإدارية في معظم الأندية الأدبية في دورتها الثانية، لا تتحمله مجالس الإدارات بمفردها، بل إن الجمعيات العمومية مسؤولة، وإدارة الأندية الأدبية مسؤولة، حتى المثقفين الأحرار الذين لم يلتحقوا بالجمعية يتحملون جزءا من المسؤولية الثقافية، ووكالة الوزارة للشؤون الثقافية تتحمل كل تبعات هذا الفشل الذي واكب الانتخابات التي فرحنا بها كثيرا، وطالبنا بها كثيرا لأنها خطوة إيجابية لتحقيق مبدأ الشفافية في فهم العمل الديمقراطي والممارسة الفعلية بوعي ثقافي يدرك أهمية احترام الآراء، والشعور بقيمة المثقف وحقه الدستوري في الانتخاب والمساءلة وتحمل المسؤولية، وترسيخ مفهوم القبول بأصوات الأغلبية، ومنح مساحة كبيرة من الحرية في اتخاذ القرار الثقافي الجماعي الذي يخدم جميع الأطياف المختلفة والمتباينة والمتضادة، وتكريس مفهوم قبول الرأي والرأي الآخر، وبقدر فرحتنا بمرحلة الانتخابات، واحتفائنا بها كتجربة ديمقراطية جديدة إلا أن هناك مَن عمل على إجهاض هذه التجربة، بتعنت وعناد، وعدم إعطاء فرصة لسماع صوت العقل، والمنطق، فذهبت الجهود سدى، وخارت قوى هذه المرحلة حتى الآن وتدنت مستويات الرؤية الأفقية في الأندية الأدبية بل وصل بعضها إلى الموت وتكفينه ودفنه.