لا تكف مصيبة اللجوء عن ملاحقة الفلسطينيين، وباتت شراً لا مهرب منه، المأساة تتكرّر اليوم، فمن مخيّمات اللجوء في سوريا يُهجّر الفلسطينيون مجدداً، فقبل بضعة أسابيع، بدأ لاجئون فلسطينيون التوافد إلى لبنان قادمين من سوريا. وبحسب الإحصاءات الرسمية، وصل عدد هؤلاء إلى 1400 عائلة فلسطينية، دخلت لبنان خلال الأيام الماضية، وتوزّع هؤلاء على قسمين، قسم ميسوري الحال الذين استأجروا شققاً مفروشة ليعيشوا فيها، منتظرين الفرج، يقابلهم الفقراء الذين توزّعوا على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. حكايات اللجوء تتشابه، لا فرق فيها بين فلسطيني وسوري، يحكي هؤلاء عن هلعٍ ورعب، يخبرون عن نار حرب مستعرة تُنذر بالقضاء على الوطن المنقسم على بنيِّه، يتحدثون عن مجازر شهدوها، يروونها كأنها تجري أمامهم في هذه اللحظة. في مخيم برج البراجنة، تروي سيدة من آل سليم، كانت تعيش في مخيم اليرموك – طلبت عدم ذكر اسمها – حكاية التهجير الثاني، تتحدث عن جحيم المعارك الذي تشهده سوريا، الذي وصل في الأيام الأخيرة إلى أماكن سكنها، تُخبر كيف باتت تقصف الطائرات السورية منازلهم، فتسترجع مشهد قصف طائرات العدو الإسرائيلي منازل الفلسطينيين في غزة. السيدة التي لجأت مع أولادها الثلاثة تروي كيف يعيد الزمان نفسه، تُخبر أنها تشعر اليوم بأن الحكايات التي كانت ترويها والدتها لها تتجسّد أمام ناظريها في ما يحصل لها. حال السيدة المذكورة ينسحب على عفاف غضبان، التي كانت أكثر جرأة من جارتها “لماذا نُصر على الخوف والثورة قامت لكسر هذا الحاجز؟” تقول السيدة الثلاثينية، مردفة “سجّل اسمي الثلاثي إن أردت”. تكشف عفاف، اللاجئة من مخيم اليرموك أيضاً، أن زوجها يُشارك الثوّار في القتال، تصريحٌ خطير في ظل مكان وجودها القريب من الضاحية الجنوبية، حيث حزب الله. نسألها ألا تخافين على حياتك، فترد بأن “الروح لا يأخذها إلا من وضعها”، عفاف التي تختزن في داخلها غضباً عارماً تتحدث عن مأساة تجتاح سوريا، نسأل عمّن يوفّر لهم المأكل والمشرب والمسكن؟ تُخبر أن أقاربهم استضافوهم منذ شهر تقريباً، لكنها تسأل إلى متى يمكن أن يتحمّلهم هؤلاء. عفاف وجارتها ليستا وحيدتين هنا، هناك آخرون قدموا من مخيم يقع قرب درعا، التي انطلقت فيها الشرارة الأولى للتظاهرات، الخمسيني اللاجئ أبو يزن، أحد هؤلاء، يُخبر الفلسطيني العكاوي، أنهم وقفوا إلى جانب الشعب الذي تعرض لإطلاق النار، وقدموا الإسعافات الطبية للجرحى، ويذكر أن ذلك أسفر عن انتشار شائعات تُفيد بتورّط فلسطينيين في المعارك الجارية، لافتاً إلى أن ذلك جعلهم هدفاً للموالين للنظام، ترافقت هذه الشائعات مع أخبار تتحدث عن لجوء معارضين مسلحين إلى المخيم حيث يعيشون، وأعقب ذلك غارات للطائرات المروحية التي بدأت في قصف البيوت، ما دفعه إلى الهرب مع أسرته، مشيراً إلى أن أقاربه الذين لا يزالون في سوريا أخبروه أن منزله دُمِّر. تجدر الإشارة إلى أن هيئة العلماء المسلمين وجمعيات إنسانية تتولى توزيع حصص تموينيّة على العائلات الفلسطينيّة التي هربت من الأحداث الجارية في سوريا، علماً أن هيئات تابعة لحزب الله أيضاً تولّت توزيع مساعدات على لاجئين فلسطينيين قدموا إلى مخيّم الجليل في مدينة بعلبك.