قيل كثيراً إن سقف الحرّية في إعلامنا ارتفع، مع أن أي سقف لا يمكن أن يرتفع عن أساساته التي بني عليها، وقيل إن هناك مرحلة جديدة يعيشها الإعلام السعودي، ويعرف الجميع أن هذه المرحلة ما هي إلّا من متطلّبات المرحلة ليس أكثر، بل ويحنّ كثيراً للعودة إلى الوراء كلما أتيحت له الفرصة، وبين ما يقال جدلاً وما يحدث واقعاً تشكّلت حلقة يدور فيها المواطن المسكين إلى ما لا نهاية ويدوخ فيها (السبع دوخات). خذوا مثلاً: كل البرامج والأعمدة التي تتناول الأداء الحكومي بالنقد وتفضح تقصيره وأحياناً عجزه تقابل من قِبل المسؤولين بصمت يثير الرّيبة والشك، هذا الصمت (المثير) تجاه ما يطرح من قضايا أصبح حديث النّاس الآن، والغرابة تكمن في أن يكون الصمت هو ما يثير حديث النّاس، حتى أن هناك مقولات بدأت تظهر وهي تسخر من تلك البرامج والأعمدة وتعدّها مجرد تنفيس عن حالات احتقان من خدمة ما في وزارة ما، والأمثلة على هذه ال(ما) كثيرة جداً ولا تحتاج جهداً! لم يعد المواطن ينظر إلى تلك البرامج والأعمدة التي تملأ الصحف بثقة، أو على الأقل لا ينظر لها مثلما كان في السابق، فهي في نظره الآن تؤدي مهمتها في فتح جرحه لتزيد من ألمه وتتركه نازفاً بلا دواء! والمسؤول الأول عن إيجاد هذه الحالة في رأيي هم المسؤولين الذين أصبحوا يتسلون كل صباح بقراءة الأعمدة ومشاهدة القنوات التي تصرخ ليل نهار، ثم تغيّر المحطة وكأن الأمر لا يعنيهم لا من قريب ولا من بعيد، صحيح أن في الصمت حكمة لكن صمت المسؤولون تجاه ما ينشر يشير إلى شيئين مهمين، وهو أن ما يرد في البرامج وما يكتب في الصحافة إما تجنٍّ واضح لا أحد يصدقه لذلك من الأولى تجاهله والانشغال بما هو أهم منه، أو أنهم يقرون بسلامة مضمونه وليس لديهم ما يمكن أن يقولوه وهم بذلك يقرون بعجزهم! وفي كلا الحالتين يكونون قد نجحوا بشكل أو بآخر في أن يحيلوا الإعلام من شريك أساس في النجاح إلى خصم ليس له حول ولا قوة، وهم بمواقفهم يحاولون عمداً أو عن غير عمد هز الثقة في الإعلام، وقد نجحوا إلى حد ما في ذلك وهنا مكمن الخطر، فماذا يعني أن يحيَّد الإعلام عن أداء مهامّه وأمانته في الوقت الذي يجد فيه الإعلام الدعم الرّسمي على أعلى مستوى، ويكفينا ما قاله خادم الحرمين الشريفين مراراً وتكراراً ومطالبته جميع المسؤولين بالتجاوب مع ما ينشر، إلّا أن المسؤولين فيما يبدو مازالوا أوفياء لحالة الصمت التي أدمنوها، وهو بلاشك صمت غير حكيم وعجز عن ممارسة المسؤولية، ويحيل الإعلام إلى مجرّد خدعة لذيذة!