نشطَ (ميت رومني) هذه الأيام في حملاته الانتخابية –عن الحزب الجمهوري– للرئاسة الأمريكية المقرر عقدها في نوفمبر القادم. وكان أهم ما صرّح به يوم 29/8/2012 «أن على الأمريكيين الاختيار ما بين وعود (بارك أوباما) غير المتحققة وبين وعده باستعادة عظمة أمريكا»؟! وشنَّ حملة على عهد (أوباما) قائلاً: «آن الأوان لكي نضع خيباتنا -من الأعوام الأربعة الماضية- وراء ظهورنا». بدوره أعاد مدير حملة (أوباما) الكرة في ملعب (رومني) قائلاً: «إن خطاب (رومني) تضمن سلسلة طويلة من الهجمات الشخصية والكلام المبتذل الاعتيادي، وخلا من أية فكرة عملية حول سبل دفع البلاد للأمام». وقد أشارت استطلاعات الرأي المبدئية إلى تقدم (أوباما) على (رومني) بنسبة 53% مقابل 39% ل (رومني). بالطبع سوف تتغير هذه النسب في مقبل الأيام. الأمريكيون لهم مطالب محددة من الرئيس! فهم غير مكترثين للسياسة الأمريكية في الخارج، وأغلبهم لا يتابعها؛ بل يركزون على قضية توفير مزيد من الوظائف وتخفيض الضرائب وزيادة الضمان الصحي. وهم لا يهتمون باستقرار أفغانستان، ولا بالنزاع العربي الإسرائيلي، ولا بالأوضاع في العراق، ولا بالربيع العربي، ولا بالأساطيل الأمريكية التي تجوب المحيطات، وتمدّ العون للقوات الأمريكية المنتشرة هنا وهناك. المرشحون –كعادتهم– يعطون الأمريكيين (القمر في يد والشمس في اليد الأخرى) كما نقول. وما إن تنتهي سنوات الرئيس الأربع، وتبدأ حملة الترشح، يبدأ الخصوم في نقد «إنجازات» الرئيس، وتحقير دوره في الوفاء بالتزاماته التي قطعها على نفسه قبل أربع سنوات. وحتى لو فاز الرئيس الجديد، فإنه ينتظره نفس المصير الذي لقيهُ سابقُه. الرئاسة في الولاياتالمتحدة وظيفة، والمؤسسات الأمريكية تلعب دوراً في إدارة دفة البلاد في كافة النواحي. كما أن «ثوابت» الإدارة الأمريكية لا تتبدل بتغيّر الرئيس، حتى لو جاء من الحزب الآخر. نحن لا نعرف ماذا يقصد المرشح (رومني) بعبارة «استعادة عظمة أمريكا»!؟ ومع إقرارنا بالعظمة التكنولوجية والعلمية للفكر الأمريكي، ويتبع ذلك القوة العسكرية الضاربة وتكنولوجيا الحرب، والتطور في الفنون ووسائل الاتصال والطب؛ إلا أننا نواجه مشكلات عدة في تناول الولاياتالمتحدة لقضايا العالم. ذلك أن «العظمة» تتبعها مسؤولية أخلاقية. وإذا كانت عظمة أمريكا تنبع من كونها أقوى دولة عسكرية في العالم، فإن ذلك يفرض عليها واجباً أخلاقياً نحو حماية شعوب العالم بعدالة وسواسية من الحروب والاستغلال والحكم غير الرشيد، وتطبيق مبادئ الحرية الأمريكية على تلك الشعوب، لا أن تركز فقط على مصالحها هنا وهناك. فقضية الشرق الأوسط واحتلال إسرائيل للأراضي العربية سواء كان عام 1948 أو عام 1967، وممارسات إسرائيل غير الأخلاقية ضد الشعب الفلسطيني صاحب الأرض، لم تنل اهتمام الإدارات الأمريكية المتعاقبة، حتى وإن نجح الرئيس الأسبق (جيمي كارتر) في تحقيق توقيع اتفاقية السلام المنفردة بين إسرائيل ومصر في عهد (السادات)!. كما أن اللوبي الصهيوني مازال يؤثر بقوة على دوائر القرار السياسي والاقتصادي والإعلامي في الولاياتالمتحدة. بحيث يركز على حقوق الإسرائيليين ووجودهم في منطقة استهداف من جيران «إرهابيين»، دون أن يتبين للأمريكيين حقيقة الأوضاع على الأرض، بل وجريمة التاريخ التي ساندتها عصبة الأمم بخلق إسرائيل في العالم العربي. وقضية الوعود الأمريكية أصبحت معروفة، لأنها تأتي وقت الأزمات أو لتبرير أفعال تساند العمل الدبلوماسي أو العسكري. فعند دخول القوات الأمريكية إلى العراق، وإسقاط نظام (صدام حسين) أعلنت الإدارة الأمريكية عن بداية عهد ديموقرطي في بلدان الشرق الأوسط، كما كشف عن ذلك (كولن باول) و(كونداليزا رايس) وزيرا الخارجية المتعاقبان للإدارة الأمريكية. ولقد استبشرت شعوب المنطقة بذلك الإعلان، وتشجعت بالمطالبة بالمزيد من الحقوق، على أمل أن تضغط الولاياتالمتحدة على الدول من أجل تحقيق مطالبات الشعوب. ولكن مع دخول العراق دوامة العنف، وتقطع أوصاله، عبر النزاعات الطائفية، منذ 2003 وحتى هذا اليوم، واضطرار الإدارة الأمريكية سحب قطاعات من جنودها من هذا البلد، بعد سقوط ضحايا، فإنها –الإدارة الأمريكية– قد نسيت وعودها أو إعلانها، ولم تعد تتحدث عن هبوب رياح الديموقراطية في المنطقة العربية. ويربط كثيرون ما حصل أثناء (الربيع العربي) برغبة أمريكية أو بترجمة فعلية لتلك الوعود!؟ وهذا الربط قد لا يكون منطقياً، لأن وجود حكومات ديموقراطية تشمل جميع أطياف الشعب قد تشكل تهديداً لأمن إسرائيل على المدى البعيد. لذلك رحبّت الولاياتالمتحدة بالوفد المصري –الذي ضم مجموعة من (الإخوان المسلمين) الذين زاروا الولاياتالمتحدة قبيل الانتخابات المصرية. وهذا ما عزز الاعتقاد بأن الولاياتالمتحدة سوف تدعم «أسلمة» الحكم في الدول المنتفضة، كما حدث في تونس ومصر وما يحدث الآن في سوريا. فهل «عَظمَة أمريكا» في عهد (رومني) إن فاز، سوف تزيل «العَظْمة» التي غَصّت بها الإدارات الأمريكية السابقة، وهي التورط في نزاعات يسقط خلالها أبناء الأمريكيين في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل؟!