يعتقد الإنسان نفسه «جباراً» فيحصن نفسه من غدر الزمان بدروع ظنها واقية. فيؤمن على جسده من المرض. ويؤمن على ما يملك من الضياع والتلف. ولكن من يستطيع أن يؤمن على نفسه من الحزن أو يؤمن على حياته ضد الموت. الإنسان يحب العافية فينطلق معها المرض. ويبحث عن الحب فيشوبه البغض. ويتمسك بالحياة فتنتهي بالموت. الموت هو الجبار الذي يصيب القلوب بالذعر. الموت هو فطام القلب الأبدي عن مرافقة الأحبة. كل منا عابر سبيل في الحياة قد نذهب اليوم أو غداً أو بعد غدٍ. هي مجرد لحظات وينتهي النفس وتستنجد الروح الخلاص من الأوجاع. وتنتقل من عالم الدنيا الفاني إلى عالم الخير الأزلي. غيّب الموت في يوم الجمعة رجلاً لو رأيته لقلت عنه إنه رجل كباقي الرجال. ولكنك إذا تأملت ابتسامته التي لا تفارقه واقتربت منه تبصر في وجهه اللطف وتأنس مطمئناً من الحنان في عينيه. وإن أصغيت إليه عن كثب لاستمتعت بحديثه بكلمات في منتهى الأدب. رحل الرجل بعد أن أمتعنا بصحبته التي تفوق أي لذة في الكون. وعندما سكت الرجل وطال السكوت بكينا في داخلنا حزناً وتألمنا من أجل الغياب. كدت أتهم الموتى بأنهم أنانيون! هم يتركون أمتعتهم ويرحلون دون اعتبار لحزن الأحبة. في لحظة الموت تنهار جميع السدود التي أقامها الإنسان. عندما نفجع في عزيز تنصرف كل همومنا إلى التأمل في الوجود وأسراره ومعانيه. تتلاشى التأملات في متاعب الحياة ومشكلاتها، وينتهي مفعول المخدر النفسي بالأماني لطول الأجل. بعد الموت لا يعود الإنسان معنياً بالزمان والمكان. بل روحاً صافية لا سلطان لأحد عليه سوى من خلقه. رحمة الله عليك يا عم جمال فارسي. سنفتقد وجودك بيننا. كانت تلك الدموع السخية والدعوات هي خير خاتمة لعمر من حياتك بيننا. ولكنك ستبقى دوماً تضيء بابتسامتك ذاكرتنا.