عندما تهجر السلطة أرضاً سنين طويلة، فإن “الإرهاب والجماعات المتطرفة” غالباً ما تكون هي “الساكن الجديد” بغير عقد إيجار، وإن كانت نية الملكية واردة بطول الإهمال، مع احتمال تبادل الملكية بين تلك الجماعات وبعضها، ذلك بسبب توافق الأهداف، وإن اختلفت الوسائل، ذلك أن النوايا واحدة! وبوصول الإرهاب إلى المدن والعواصم تكتشف الدولة أن مصدره قادم من مناطق الوطن المهملة، التي رغم وجودها على الخرائط فإن السلطات المتعاقبة قد نسيتها تماماً إلى أن وصلها الإرهاب والتكفير القادم من بعيد، لتتحول مناطق الإرهاب تلك إلى هاجس يومي لا تحله وتتصدى له سوى “قوات الجيش” التي يدفع أفرادها -استشهاداً برصاص هؤلاء طوال المعارك- ثمن “التصدي المتأخر” لإرهاب “تجذّر” في الأرض البعيدة. وتبدو معارك سيناء الدائرة الآن –ليل نهار- بين الجيش وأصحاب الرايات السود أنموذجاً لإهمال السلطة وفجر الجماعات التي كانت تستعد جدياً –في ظل ذلك الإهمال الطويل- لإعلان إمارة لهم تفرض معتقداتهم المتطرفة –شيئاً فشيئاً- على بقية مناطق سيناء، متصدية بأسلحتها البالغة التطور الآتية إليها من حدود الدولة الليبية لكل مقاومة تفرضها مدرعات الجيش ودباباته! ولأن أحداً لم يكن يتصور العدد الهائل لفيالق هؤلاء المتطرفين، فإن كتائب القوات المسلحة التي قطعت الطريق الطويل في ثكناتها إلى قلب سيناء قد اكتشفت مع بدايات المواجهة أن ما وصل من قوات ليس كافياً، ومن ثم بدا “التقاطر” المستمر على هيئة جسر للجيش ليملأ كل سيناء استعداداً للهجوم الكاسح الذي تضمنته خطة المواجهة الشاملة مع أعمال الفوضى، وقطع الطرق، وقتل الناس، ولعل أصعب ما في تلك الخطة والأكثر دموية هو ما سوف ينتج عن الحصاد الطويل لجبل الحلال الذي هو مأوى قيادات التطرف، وإن كانت طائرات “الأباتشي” العسكرية سوف تتولى –بصواريخها- إخراج هؤلاء من مكانهم، كل ما أرجوه أن ينتج انتصار الحصار على اجتثاث ولا ينتج لنا متهمين، ذلك أن ما حدث منهم كثير لا يحتاج لأدلة.. ولا قرائن!