من أطرف التعليقات التي أسمعها أو أقرأها بعد أي نقد موجه لشخصية أو مؤسسة عامة يأتي في التالي: قل موتوا بغيظكم! وفي فترة سابقة كان أي صاحب رأي ينتقد بعض الأوضاع السيئة أو يطالب بالإصلاح يواجه بتهمة من مثل «حاقد»! حاقد على من يا عزيزي؟ هل من يؤمن بأهمية النقد لتنمية مجتمعه يستحق أن يوصم ب«حاقد»؟ وإن كان أي نقد يقود صاحبه لمثل هذه التهمة فأمرنا لله إذ يبدو أن نصف الشعب أو أكثره -يا لله العجب- حاقد! مهمة الناقد أن يمارس ما يستطيعه من نقد الأخطاء من حوله. وهو –الناقد– ليس منزهاً عن الخطأ. لكن النقد بذاته «مبدأ» حضاري مهم للمجتمعات. وهذا من أسباب نجاح الأمم وتفوقها. لا يحقد على الأوطان من يسعى لتبصير أهلها بالمخاطر ومواقع الخلل والقصور. والإنسان بطبيعته يحتاج –كثيراً– لمن يحثه على مراجعة نفسه. وكذلك الشعوب. فما أساء لوطن مثل غياب الرأي الناقد وندرة الأصوات التي تنبه الناس للمخاطر. ليس صحيحاً أن كل من ينتقد إنما يصفي حساباته، القديمة والجديدة، مع صناع القرار. وليس صحيحاً أن النقد الذي يباشر به مثقف مسؤول، يزن الكلمة ويعرف الموضوع الذي يخوض فيه، سيكون من معاول الهدم. بل هو عكس ذلك تماماً. فرحم الله امرأ أهدى إليّ عيوبي. وكم من مشكلة تنموية كان بالإمكان تلافيها لو أننا استمعنا للأصوات الناقدة حولها ولم نصدق ما يشاع عنها من تهم مثل «حاقد» و«يبحث عن منصب» وأخواتهما. الرأي الناقد، الذي يتحمل صاحبه مسؤوليته ويعبّر عن رأيه باسمه الصريح ووفق قواعد النقد المؤسس، بعيداً عن بذاءة القول، هو من عوامل نهضة الأمم وتنميتها. وتلك مسؤولية حضارية تنهض بها الأمم وتتفوق.