المفارقات تحمل بين طياتها كمية هائلة من الكوميديا السوداء. العلل المفضية إلى العطب والانكسار تتصدر المشهد، والوصايا المخلصة باتت تجرح أكثر من اللازم، والألسنة التي تسأل جوهر الخلل «لماذا يكون هذا؟!» تمنع من النطق. في العام العاصف 1968م اغتيل مارتن لوثر كينج، وتبعه روبرت كيندي، وحدث ربيع براغ بتمرد تشيكوسلوفاكيا على الاتحاد السوفيتي، والأهم كان في باريس حيث الثورة الطلابية التي كادت أن تطيح بالزعيم الفرنسي التاريخي شارل ديغول. الكاتب الصحفي الأمريكي مارك كورلانسكي رجح أنها ثورة قامت ضد الرتابة والاعتياد، فرنسا كانت في أجمل لحظاتها، الطبقة الوسطى اغتنت، والعامل الفرنسي كان يملك سيارة وشقة خاصة، ولكن ديغول حينها كان شيخا قد تجاوز الثمانين، والثوار شباب يساري مليء بالبراءة والحرية. يرفع شعار رامبو: «ينبغي تغيير الحياة، هذه الحياة الرتيبة، التقليدية لم تعد تناسبنا، نريد شيئا آخر غيرها». ولكن ماذا عن البيت حين يصير حلماً؟!والمدن التي تغرق؟! والسرير، والعلاج اللائق؟! وماذا يفعل الإنسان وهو يشاهد الطبقة الوسطى تتلاشى، يا سيد مارك؟! في زاوية ما من أرصفة باريس كان هناك شاب سوري يتعثر في مشيته، يقال إن أول صورة التقطها كانت حجراً مقتلعاً من رصيف باريسي آنذاك، ويقال إنه أراد أن يسجل آثار تلك الانتفاضة ونسي وضع شريط التسجيل في الكاميرا. عاد ذلك الرجل إلى بلده، يدافع عن هواء حر يتقاسمه الكل، سجن ومنعت أفلامه التي كانت تدور حول السلطة الفاسدة. ثم مات «عمر أميرلاي»، قبل أن يرى تهاوي النظام السوري، الذي حذره أميرلاي مراراً وتكراراً من الفساد، وكان النظام يعتقله تارة ويحاصره أخرى، ودائما كان يتهمه بتعطيل مسيرة التنمية!