لقي شريط “الشتا اللي فات” للمخرج المصري إبراهيم البطوط السبت الترحيب نفسه الذي لقيته الجمعة السعودية هيفاء المنصور بعد عرض فيلمها “وجدة” في القاعة الكبرى للعروض في مهرجان البندقية حيث عرض الشريطان في إطار تظاهرة “آفاق”. ودفع الترحيب الحار بالمخرج إلى البكاء تحت تأثير التصفيق الحار لجمهور البندقية المحب للسينما والمواكب بحماس لثورات الربيع العربي وما يرافقها من تغيرات مجتمعية، تماماً كما حصل مع المخرجة السعودية. وبعد أن قدم مهرجان كان السينمائي ضمن مسابقته الرسمية فيلم المخرج يسري نصرالله “بعد المعركة” الذي تناول سيرة وواقع مهاجمي المتظاهرين في التحرير في ما عرف ب”موقعة الجمل”، ها هو مهرجان البندقية يقدم الشريط المصري الروائي الثاني عن الثورة هذا العام. وحرصت مهرجانات العالم منذ العام الماضي على تقديم كثير من الأفلام التي تعكس أجواء الربيع العربي سعياً إلى عرض أوضاع العالم وتحولاته عبر رؤى صانعي الفن السابع وإبداعاتهم. وأكد مهرجان البندقية في دورته الحالية، مرة أخرى هذا التوجه، إذ إنه يقدم سبعة أفلام عربية في مسابقات مختلفة، إثنان منها خارج المسابقة الرسمية. وعرض شريط “الشتا اللي فات” الذي قدم السبت في عرض عالمي اول، بحضور المخرج إبراهيم البطوط، وبجانبه الممثل والمنتج عمرو واكد، والممثل صلاح الحنفي، الذي أدى في الشريط دور ضابط أمن الدولة. يركز الفيلم على قضية التعذيب وما يخلفه في نفوس الشباب الناشطين على صفحات التواصل والإنترنت. وتقول المذيعة التي تركت وظيفتها في التلفزيون الرسمي بعد تواطئها مع أكاذيب الدولة، في تسجيل تبثه على الإنترنت، وهو واحد من آلاف التسجيلات التي ساهمت في استمرار الثورة “لقد سلبتم لنا مستقبلنا وجعلتمونا غير راغبين في إنجاب أولاد في المستقبل”. ويقوم الفيلم على خيط متواز من القصص التي تحدث للشخصيات الثلاث الرئيسية بين العام 2009 وموعد انطلاق الثورة. تعود الكاميرا بالمشاهد، كما يفهم من سياق الأحداث، إلى فترة سبقت الثورة، وتحديداً إلى فترة الحرب على غزة، حين تعرض كثير من الشباب المصريين للتعذيب بسبب التظاهرات التي انطلقت تضامناً مع سكان القطاع. عمرو (عمرو واكد) الذي تدور بينه وبين ضابط امن الدولة مواجهة صامتة ينتهي بالانتصار على الضابط مع قيام الثورة. ويبرز الفيلم أنه فيما كانت قلة من المصريين قبل الثورة تكسر حاجز الخوف، بات عشرات الآلاف خلال الثورة مستعدين لذلك. وإذا كان عمرو الذي يعمل مصمم ديكور من منزله ثوريا من الساعة الأولى، فان صديقته التي تعمل في التلفزيون تظل تروج الأخبار الكاذبة التي تريد الدولة بثها رسمياً إلى أن تحدث لها يقظة بعد أن تصادف جريحاً على الأرض وتنقله إلى مركز للعناية. ويحاول الفيلم تجنب الحديث عن الثورة بشكل مباشر كما معظم الأعمال السابقة، ويقتبس قصصاً وأجزاء من قصص إنسانية جرت خلال الثورة. وقد غير إبراهيم البطوط أكثر من مرة السيناريو الأساسي الذي وضعه بالتشارك مع ثلاثة آخرين هم أحمد عامر، وياسر نعيم، وحابي سعود. وصور أحد مشاهد الفيلم خلال الثورة في شهر فبراير الماضي وهو من المشاهد المرتجلة التي صورت الممثلين في الميدان بين المتظاهرين. وكان هذا المشهد الأول الذي صور من الفيلم، على حد قول المخرج. ويبين الفيلم ضراوة استبداد ضباط أمن الدولة في الفترة التي سبقت الثورة وغلوهم في تعذيب الشباب الناشطين وزجهم في السجون إلى أن بلغ عددهم الأربعين ألفاً بداية الثورة، ولم يكن هناك مفر من إطلاق سراحهم. ومن المشاهد المميزة في الفيلم، مشهد نرى فيه تحقيقاً كاملاً مع مجموعة من الأشخاص ويتجسد فيه مشهد سقوط حاجز الخوف وحدوث التحول، إذ إن القوي يصبح هو الأضعف والأضعف هو الأقوى. ويواصل البطوط في هذا الفيلم عموماً صنع السينما بالبناء على المواقف المرتجلة من خلال الإصغاء لنبض ما يدور في التحرير، وإعادة بلورته وتركيبه. وينتهي الفيلم بنص يذكر بعدد ضحايا الثورة، وعدد الذين فقدوا عيونهم، وعدد الناشطات اللواتي خضعن لفحص عذرية. بدأ إبراهيم البطوط مسيرته كمراسل حربي وصور أعمالاً وثائقية عدة للتلفزيون منذ العام 1996 في السودان وأفغانستان وكوسوفو وفلسطين والعراق والكويت. وأنجز في العام 2008 أول فيلم روائي له حمل عنوان “عين شمس”، وانتمى إلى السينما المصرية المستقلة بكل مقاييسها، ولقي الإعجاب، وحاز الجوائز، تبعه فيلما “حاوي” (2010)، و”الشتا اللي فات”، الذي يعد فيلمه الروائي الثالث. أ ف ب | البندقية (إيطاليا)