من الطبيعي والمنطقي أن يواجه التعليم في بلادنا نُقوداً وملاحظات وشكاوى ومطالب واعتراضات. ومن الطبيعي أن تنبع هذه الاختلافات من النخب ومن سائر الناس أيضاً. هناك من ينتقد سياسات في التعليم، وهناك من يعترض على أساليب، وهناك من يشكو مشكلات إدارية، وهناك من يركز على المناهج، وآخرون يركزون على المعلم.. وقائمة شؤون التعليم متسعة باتساع الحاجة إلى التعليم. لا يُوجد نشاط بشري فوق النقد، ولا خدمات حكومية أو خاصة بلا ملاحظات. فالمستفيدون من المشروعات ومن الخدمات يريدون تلبية مطالبهم، خاصة أن الدولة لم تألُ جهداً في بذل ميزانيات هائلة لهذا القطاع الحيوي بالذات. وما دامت الدولة سخية؛ فإن المنتظر من القائمين على تنفيذ السياسات التعليمية أن يضعوا احتياجات المواطنين في عين اهتمامهم الأول، وأن يسخّروا سخاء إلى الدولة إلى مشروعات حقيقية يراها الناس ويستفيد أبناؤهم منها، لأن الأبناء هم الامتداد الطبيعي للإنسان على هذه الأرض الخيرة، وهم الأجيال المسؤولة عن صناعة المستقبل. ناهيك عن ذلك؛ فإن التعليم حقّ كفلته هذه البلاد كفالة واضحة وأكدت مسؤوليتها إزاءه بما لا يدع مجالاً للشك أوالريب. ومن الطبيعي أن تتحوّل الإرادة السياسية في شأن التعليم إلى مناهج مؤثرة في بناء العقل، وإلى مبانٍ ذات بيئة تعليمية محفزة، وإلى معلمين يصدقون القول والعمل ويقدمون القدوة النموذجية للأجيال التي تتعلم على أيديهم. من الطبيعي أن يكون الهاجس الأول لكل مدير تعليم في منطقة تعليمية أن يجعل من إدارته غرفة عمليات لخدمة المواطن خدمة يقتنع بأدائها، لا أن تتحول الاحتياجات إلى خطابات ومراسلات وبيروقراطية يؤديها موظفون حريصون على توقيع الحضور والانصراف وتمضية الدوام في إنجاز آحاد من المعاملات الرسمية فحسب. من الطبيعي أن يجد المعلم نفسه مسؤولاً مسؤولية تربوية، لا مسؤولية وظيفية فحسب، ومن حقه أن يكون محوراً رئيساً في الحقوق والواجبات، لتعود إليه هيبته ومكانته، وأن يُعدّ إعداداً أكثر عمقاً وأشدّ التصاقاً بالمسؤولية. فالموظف سوف يؤدي وظيفته إذا أوكلت إليه، ولكن حين يحمل الموظف وظيفته على أنها رسالة فإن إيمانه بدوره سوف يكون مختلفاً كثيراً عن دور الموظف النمطي.