يصر المقاتلون التابعون لما يسمى بتنظيم «جبهة نصرة أهل الشام» على الدخول على خط الأزمة في سوريا مسببين أضراراً بالغة لمعسكر الثورة ومكاسب لنظام بشار الأسد الذي يستغل ما يتبناه هذا التنظيم من أعمال لدعم روايته القائلة إنه «لا يواجه ثورةً شعبية وإنما جماعات إرهابية مسلحة»، ما يعني أن التطرف حليف للاستبداد ومعاون على استمراره. ويتبنى تنظيم جبهة النصرة، الذي بُنيَ على أنقاض تنظيم «دولة العراق الإسلامية»، نفس أدبيات القاعدة وتكتيكاتها العسكرية إذ يعتمد على العمليات الانتحارية خلافاً لما يقرُّه الجيش الحر من أسلوبٍ في القتال يقوم على مواجهة النظام وتحييد المدنيين مع الالتزام قدر المستطاع بالاتفاقات التي تحكم عمليات الأسر والاحتجاز. ولعل هذا التشابه في الأداء بين «القاعدة» و«جبهة النصرة» هو ما دفع التنظيم الأم إلى الاعتراف بهذه المجموعة الناشئة قبل عام واحد فقط وسط تنبؤاتٍ بتحولها إلى ما قد يطلق عليه اسم «القاعدة في بلاد الشام» إذا طال أمد الأزمة، وهي مسألة قد تساهم في عرقلة مسار الثورة التي تحاول قواها قطع الطريق على مثل هذه الكيانات لتبنيها أجندة تختلف عن الأجندة الوطنية ولا تبالي بمصير السوريين أو بمطالبهم التي خرجوا من أجلها في مارس 2011. كما يثير الأمر مخاوف الخارج المترقب لمرحلة ما بعد الأسد، خصوصاً أن بعض الدوائر الإعلامية في الغرب بدأت تدق على وتر انتشار القاعدة في سوريا مستدعيةً تجربة انتشار القاعدة في اليمن واستغلالها حالة التغيير هناك في السيطرة على قرى ومدن، وهو ما كبّد اليمنيين ثمناً باهظاً وجعل معركتهم لإنجاح الثورة مزدوجة. وحتى لا تتحول جبهة النصرة إلى بؤرة جذبٍ لمن يتبنون فكر القاعدة في عدة دول أو حتى للشباب السوريين أنفسهم، يصبح من اللازم أن تبذل الأجنحة العسكرية للثورة السورية جهداً أكبر لإبعاد هذه المجموعات عن المشهد قبل أن يتنامى وجودها خصوصاً في جنوب سوريا الذي تتخذه مقراً لتجمعها.