جاءني مساعدي الدكتور حلمي متعجباً يقول أين ذهبت الخردقة؟ (رصاص صيد العصافير من الحجم الصغير)؟ سألته أين الإصابة؟ قال هي في الفخذ. المدخل موجود والمخرج غير موجود. نحن نعرف في الطب الجنائي أنه لابد من تحديد فوهة الدخول وفوهة الخروج. كان الكشف الأولي ليس الخردقة ومكانها، بل هل من إصابة في الشريان ومدى الأذية في هذه الخردقة؟ جاءت أسوأ توقعاتنا وهي إصابة شريانية بطريقة عجيبة لو أراد أحد أن يصوب بدقة بالغة فلن يصيب الشريان بهذه البراعة! قلت للدكتور حلمي هناك منطقية وترابط في الأحداث. صوِّر المريض من أخمص القدم حتى مفرق الرأس فلابد من معرفة أين استقرت؟ جاءت صور البطن تروي لنا حادثة نادرة في عالم الطب. لقد ضربت الخردقة فخذ هذا الشاب (كنت يومها في النماص من منطقة عسير في الجنوب الغربي من المملكة)، ثم عبرت قناة (هنتر) علواً لتدخل إلى البطن وتستقر في الفضاء خلف البريتوان (محتوى الأمعاء والأحشاء الداخلية مغلفة بكيس خاص اسمه البريتوان). استشرت زميلي الكشميري الجراح عبدالرشيد شرواني فنصح بفتح البطن للتأكد من سلامة الأمعاء. كانت عملية أخذت حوالي سبع ساعات بين فتح البطن الاستقصائي، والكشف عن إصابة الشريان وإعادة تصنيعه بوريد مقلوب الاتجاه تفادياً للدسامات في مسار الوريد (في إصابات الشرايين نلجأ لاستبداله بوريد من نفس جسم المريض ونقلب اتجاهه، حيث إن الشريان أنبوب خالٍ من الصمامات خلافاً للأوردة لأنها تمشي ضد الجاذبية). بقي المريض الشاب في المشفى أياماً قليلة وخرج معافى يمشي بساقه. لا أدري هل سيرجع للعبة صيد الطيور وإصابات الخرادق؟ الحكمة من هذه القصة المنطقية والتحليل العقلاني في الإصابات، وهي حكمة مكررة في كل قطعات الطب. سوف أذكر بعضاً منها لاحقاً. ربما يجب وضع قواعد تشبه الوصايا العشر سميتها الوصايا العشر في الجراحة.