في الطوارئ كان الشاب المصاب يرتعش كورق الخريف، يمد يده التي لم يبق من شكلها بقية. لقد تفجرت اليد برصاصة محشوة بالخرادق تفجيرا. ما الخبر؟ ذهب للصيد فكان الصيد. هل نقول إن العصافير انتقمت لنفسها ورجعت بسلام لفراخها بدون قتل ومقتلة. العصافير لا تفكر ولا تنتقم بل تعيش بسلام لتأكل الحب وتتناسل وتعيد دورة الحياة. (ولا من طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء). البشر فقط هم من يمارس القتل ليس بنية الأكل بل التسلية أو الحقد كما نرى في بلدات سوريا الحزينة، حيث البشر يقتلون بدم بارد لأنهم يطالبون بالخبز والكرامة والحرية. اجتمع فريق العمل الطبي الرباعي (عظام وأوعية وتجميل وجراحة عامة) عسى أن يعمل شيئا ليد لم تبق يداً إنسانية؛ فقد طحنت العظام طحنا وتفتتت، وتقطعت العضلات ونسفت الأوتار، ولم يبق من الأوعية من ينشد أنغام النبض وموسيقى مرور الدم أما الأعصاب فقد خرست بدون نطق فليس ثمة من حس في أصبع وكف. كل شيء نسف من شاب طائش برصاصة طائشة؛ فجرت كل الأنسجة، لم يبق ثمة حركة أو حس أودم، ولم يكن ثمة إلا خيار واحد كريه أمام الفريق الطبي: بتر اليد المفجرة. أنا شخصيا أذكر المهندس من عنيزة الذي جاءني يوما بنفس الطريقة وفي عضده أكثر من ثمانين خردقة مع إصابة الشريان العضدي. قمت بتصليح الشريان وعادت موسيقى الشرايين إلى نغمها السيمفوني، أما الخرادق فبقيت في عضده للذكرى حتى القبر.في النماص من عسير أذكر حادثة رصاص الخرادق لشاب ضرب في فخذه. جاءني مساعدي الدكتور حلمي يقول عثرت على فوهة دخول ولم أعثر على فوهة خروج؟ قلت له هناك منطقية في الأحداث. صوِّر المصاب من مفرق رأسه حتى أخمص قدمه. جاء فرحا بعد هنيهة وقال إنها دخلت من الفخذ عبر قناة هنتر إلى البطن فهي مستقرة بالقسم خلف البريتواني الخلفي بدون أذية لقد وجدت مكانا ترتاح فيه! دخلنا عملية طويلة صلحنا فيها عند الشاب الشريان والوريد على ما أذكر. الحوادث كثيرة أيام الصيد فلينتبه الناس إلى مصيبة التسلية هذه، ذلك أن اللعب بالنار لا يجعل النار لعبة.