قالت الحكومة الاثيوبية أمس الثلاثاء إن رئيس وزرائها ملس زيناوي الذي اعتبره الغرب حائط صد في مواجهة التشدد الإسلامي توفي بعد صراع طويل مع المرض عن 57 عاما. توفي زيناوي في مستشفى في بروكسل مساء الاثنين بعد مرور 21 عاما على استيلائه على السلطة من المجلس العسكري بقيادة منجيستو هيلا مريم لتنتهي بذلك التكهنات المستمرة منذ أشهر بأنه مصاب بمرض خطير. وتباينت ردود الفعل على وفاته فقد وصف البيت الابيض رحيله بانه “خسارة مفاجئة” لكن معارضيه ابتهجوا لوفاة “طاغية”. وسيؤدي نائب رئيس الوزراء هايلي مريم ديسالجن اليمين الدستورية رئيسا للوزراء بالإنابة امام البرلمان وسيجتمع الحزب الحاكم لاختيار خليفة لزيناوي ولكن لم يتحدد موعد لذلك. وأحجمت الحكومة الإثيوبية عن الكشف عن مكان علاجه أو طبيعة مرضه لكن مسؤولين بالاتحاد الأوروبي قالوا إنه كان يعالج في العاصمة البلجيكية عندما توفي بسبب مرض لم يتم الكشف عنه. واكتفى بركات سايمون المتحدث باسم الحكومة بالقول بانه كان مريضا منذ عام وتوفي بعد نقله إلى العناية المركزة. استولى ملس على السلطة عام 1991 من المجلس العسكري بقيادة منجيستو هيلا مريم وأصبح شخصية سياسية بارزة في القارة الافريقية. واعتبر زعيما يمكن للغرب الاعتماد عليه في معركته مع الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة. وينسب كثيرون إليه الفضل في تمكين واحدة من أفقر دول العالم من تحقيق نمو اقتصادي مرتفع وأرسل مرتين قوات إلى الصومال المجاور للتصدي للمتشددين الاسلاميين. وقال الاتحاد الافريقي الذي يتخذ من العاصمة الاثيوبية اديس ابابا مقرا له في بيان “وفاة رئيس الوزراء (الاثيوبي) ملس حرمت افريقيا من واحد من أعظم ابنائها.” ومع أن الجماعات الحقوقية انتقدته لحملته الصارمة على المعارضة غض الغرب الطرف عن حملاته القمعية بشكل عام تفاديا لخلاف مع شريك في قتال الجماعات المرتبطة بالقاعدة في افريقيا. وقدم الرئيس الأمريكي باراك اوباما التعازي وأشاد بالتزام ملس بمساعدة الفقراء واصفا وفاته بانها “خسارة مفاجئة” لإثيوبيا وأشاد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بملس ووصفه بأنه “متحدث ملهم باسم افريقيا”. وفي أديس ابابا احتشد الاثيوبيون في المقاهي لمشاهدة التغطية التلفزيونية بعد ان اعلنت قناة اخبارية خاصة وفاة ملس. وقال مصدر في الاتحاد الاوروبي ان ملس كان يعالج في مستشفى سان لوك الجامعي في بروكسل. وقال نائبه هيلا مريم انهما تحادثا في الاونة الاخيرة وأضاف “كان يتعافى بشكل جيد لدرجة انه كان يقوم بانشطة رياضية خفيفة. كنا دائما على اتصال اثناء فترة تعافيه وكنا متفائلين من انه سيشفى تماما.” واضاف قوله “ملس كان شخصا ودودا ومن الصعب تعويض رجل في مثل منزلته.” أما حركة الشباب الإسلامية المتشددة بالصومال والتي واجهت القوات الإثيوبية مرتين في عهد ملس إحداها من عام 2006 إلى 2009 والأخرى من ديسمبر كانون الأول 2011 فقد رحبت بوفاة ملس. وقال الشيخ علي محمود راجي المتحدث باسم حركة الشباب لقد قاد الزعماء الأفارقة الذين كانت لهم أصابع في الصومال لعقدين.. لكن كل ذلك ذهب سدى.” وأعلن بركات حدادا عاما إلى حين عودة جثمان ملس. وقال إن بلاده التي بها ثاني أكبر كثافة سكانية في افريقيا تنعم بالاستقرار وستواصل السير على الطريق الذي رسمه ملس. وقال للصحفيين “أؤكد لكم أن كل شئ مستقر وكل شئ سيستمر كما رسمه رئيس الوزراء.” وستنعقد الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية وهي الحزب الحاكم في البلاد لاختيار خليفة دائم لكن لم يتحدد موعد بعد لانعقادها. وأعرب نيجاسو جيدادا الذي تولى رئاسة البلاد أثناء رئاسة ملس للوزراء والذي يرأس الآن حزب الوحدة من أجل الديمقراطية والعدالة المعارض إنه يأمل في انتقال سلمي للسلطة. وقال “نحن نحث الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية على تغيير الوضع السياسي والديمقراطي ووضع حقوق الإنسان نحو الأفضل في البلاد.” وتوقع ديفيد شين السفير الأمريكي السابق في اثيوبيا أن تستمر الكثير من سياسات الدفاع التي انتهجها ملس كما هي. وقال “لأسباب امنية داخلية سيكون هناك تركيز مستمر على الصومال ولا أتصور أي تغير كبير في اتجاه اريتريا” مشيرا إلى العدو اللدود لاثيوبيا الذي دارت بينهما حرب حدودية استمرت عشر سنوات. وفي عهد ملس حققت إثيوبيا نموا اقتصاديا زاد عن عشرة في المئة طيلة سبع سنوات متتالية وكان يدعو إلى المزج بين الإنفاق الحكومي الكبير والاستثمارات الخاصة. ولقي ملس إشادة كبيرة لضخه مبالغ كبيرة في مجال البنية الأساسية لكن البعض انتقده لبيع أراض للاجانب. ويشكو الكثير من الاثيوبيين من أن علاقته الوثيقة مع الصين لم تؤد إلى توفير المزيد من فرص العمل لأبناء شعبه. وقال جيه. بيتر بام خبير الشؤون الافريقية بمركز اتلانتيك كاونسيل للأبحاث “الحياة ما زالت تمثل كفاحا للكثير من الاثيوبيين لكن ملايين آخرين خرجوا من نطاق الفقر خلال جيل فقط.” وأردف قائلا “كل من زار البلد أكثر من مرة لاحظ تحولا مستمرا مع إقامة البنية الأساسية كما لاحظ همة الناس.” لكن جماعات دولية لحقوق الإنسان تقول إن ملس كان حادا مع المعارضة. وقد ألقى القبض على العديد من زعماء المعارضة بعد انتخابات متنازع على نتائجها في عام 2005 واعتقل معارضين وصحفيين بموجب قانون لمكافحة الإرهاب صدر عام 2009. ووصف موقع اثيوبيان ريفيو المعارض على الانترنت ملس بأنه “طاغية مولع بالإبادة” وقال “اليوم يوم فرحة لأغلب الاثيوبيين وكل محبي الحرية في أنحاء العالم”. وقالت المفوضية الأوروبية إن ملس عمل بدأب في مجال الوحدة الإفريقية والتغير المناخي والتنمية لكنها عبرت عن أملها في أن تحسن إثيوبيا من سجل حقوق الإنسان. وقال جوزيه مانويل باروزو رئيس المفوضية الأوروبية في بيان “أرجو بشدة أن تدعم إثيوبيا طريق الديمقراطية وأن تعزز حقوق الإنسان ورفاهية شعبها والاستقرار والتكامل بالمنطقة.” أما الجبهة الوطنية لتحرير أوجادن الإثيوبية المتمردة المحظورة فقالت إن وفاة ملس قد تمهد لمرحلة جديدة من السلام في البلاد إلا أنها أكدت مجددا استعدادها للقتال من أجل تقرير المصير. وأضافت الجبهة في بيان “قد تمثل وفاة الدكتاتور الإثيوبي مرحلة جديدة للاستقرار والسلام في إثيوبيا ومنطقة القرن الإفريقي بأكملها.” وتابعت “ستعمل أيضا الجبهة الوطنية لتحرير أوجادن مع أي قوى معارضة تقدمية متفتحة تكون مستعدة للاعتراف بحق تقرير المصير لكل الأمم والجنسيات.” وقال التلفزيون الحكومي إن تفاصيل الجنازة الرسمية ستعلن قريبا. وكان القائم بأعمال رئيس الوزراء هايلي مريم (47 عاما) مستشارا لملس عام 2006 قبل أن يختاره نائبا له في عام 2010 وهو اختيار قوبل باندهاش لصغر سنه نسبيا. وقد حل أيضا محل ملس في رئاسة عدد من اللجان البرلمانية خلال السنوات القليلة الماضية في خطوة قال دبلوماسيون إنها مؤشر على أنه يعده لخلافته. أديس ابابا | رويترز